اضطراب التشريع الجنائي..!

نظام الارشفة الالكترونية


حدّد بعض نواب مجلس الأمة جلسة خاصة للنظر في قوانين تقيد الحريات، وقوبل ذلك من الحكومة بترحيب مشروط، على أن تنظر بعض المواد المتعلقة بجرائم أمن الدولة بالتشديد على عقوبتها. والقضية التي نناقشها اليوم أننا لا نتمنى على جميع المحكومين، بما يطلق عليه جرائم الرأي، أو بالأخص ازدياد الأحكام السالبة للحرية للمغردين، وما تعرف بجرائم مواقع التواصل الاجتماعي، لكن المعالجة التشريعية لأي قانون مجحف أو قاصر أو متشدد لا يمكن أن يتم التعديل على حساب الاستقرار التشريعي الجنائي بصفة خاصة، حيث تنتهي بتطبيق قاعدة «القانون الأصلح للمتهم» في حال إقرار القانون الجديد، ولا تزال القضايا منظورة أمام المحاكم الجنائية، سواء جنحاً أو جناياتٍ، ولما كانت مشروعية الفعل لا تقتصر على حالة إلغاء نص التجريم وإنما تمتد إلى الحالة التي يتوافر فيها سبب إباحة، فالقانون الجديد قرر مانع مسؤولية يستفيد منه المتهم، إذ ينتفي في هذه الحالة الركن المعنوي للجريمة أو أن يقوم القانون الجديد بتغيير تكييف الجريمة من جناية إلى جنحة أو من جنحة إلى مخالفة أو تعين النظر للعقوبات التبعية أو التكميلية أو الاكتفاء بالغرامات المالية، مما يثير القيمة الدستورية لتلك التعديلات ومن يستفيد منها والمتضرر بسببها وفقا لمبدأ عدم رجعية النصوص الجنائية كأثر حتمي لمبدأ شرعية الجرائم والعقوبات، وفقا للمشرّعين الفرنسي والمصري، فالعقوبة شخصية ولا جريمة ولا عقوبة إلا بناء على قانون، ولا توقع عقوبة إلا بحكم قضائي، فيصف الفقيه الجنائي الدكتور محمود نجيب حسني أن قاعدة عدم رجعية القانون الأصلح للمتهم لها قوة لا تحظى بمثلها في غيره، فبينما يجيز الدستور للسلطة التشريعية أن تخرج على هذه القاعدة في غير المواد الجنائية، لكن لاعتبارات سياسية وقانونية تتفق بعض التشريعات الجنائية في أن المتهم يستفيد من القانون الأصلح الذي يصدر بعد ارتكاب الجريمة وقبل أن يتم الفصل فيها بحكم نهائي وبات، أما أستاذ القانون الجنائي الدستوري في جامعة القاهرة الدكتور أحمد عبدالظاهر فيقول: لقد حرص القانونان المصري والفرنسي على احترام حجية الشيء المحكوم به، ولو اقتضى الأمر التضحية برجعية القانون الأصلح للمتهم، وفي فرنسا قرر المجلس الدستوري تطبيق قانون الأصلح للمتهم في شأن الجرائم التي تم ارتكابها قبل نفاذه والتي لم يصدر فيها بعد حكم حاز لقوة الأمر المقضي للدلالة على قيد الحكم البات بما يحيلنا الى ان كثرة التعديلات الدستورية في مصر وفرنسا لم تؤثر كثيرا في القيم الدستورية، ومنها ما يتعلق بالحقوق والحريات والمصلحة العامة وانتفاء الفائدة الاجتماعية من تطبيق القانون القديم، وقالت المحكمة الدستورية العليا في مصر في شأن كل قانون أصلح للمتهم يصدر بعد وقوع الفعل وقبل الفصل فيه نهائيا مؤداه سريان القانون اللاحق في شأن الأفعال التي أثمها قانون سابق..!!
أخيراً، نتمنى على السادة نواب مجلس الأمة، خصوصا المحامين منهم، عند مناقشة قوانين الحريات العامة عدم تشريع «قوانين مؤقتة» أو «استثنائية» فنحن مع مواكبة التشريعات الحديثة، لكن من دون خلق حالة اضطراب تشريعي، سواء من تخفيف العقوبة الى الأشد أو تكييف العقوبة من حبس الى مباح، فيجب أن تسير المنظومة التشريعية الجنائية بما يعزز الاستقرار والمصلحة العامة للمجتمع لا طائفة جرائم بعينها، والأهم تحديد سريان ذلك بما لا يعرض أي تعديل للطعن بعدم الدستورية، وشكراً..!

يعقوب عبدالعزيز الصانع

ylawfirm@

المحامي

المصدر.. القبس

نظام الارشفة الالكترونية