التربح من وراء صور الأطفال.. «استغلال»!

نظام الارشفة الالكترونية

د. فاطمة السالم*

تواصل القبس استكمال ما انفردت به من نشر تقارير علمية عن ظاهرة مواقع التواصل الاجتماعي والمشاهير وتأثير ذلك في المستهلكين من ناحية نفسية واجتماعية والنظريات الاعلامية التي تشرح اكتساح هذه الفئة لسوق الاعلام الاجتماعي وتأثيرهم الكبير في المجتمع والظواهر المتعلقة بمتابعتهم مثل الشعور بالتوتر والضيقة والاكتئاب بسبب عدم تمكن اللحاق بهم.
هذا وقد نشرنا تقريراً عن سبب السوق السوداء للمتابعين الوهمين واللالكترونيين وعن الأسماء الوهمية وخطاب الكراهية في مواقع التواصل وألعاب الموت مثل الحوت الازرق وغيرها من سلسلة طويلة من الدراسات التي انفردنا بها.
وتتناول الدراسة الحالية ظاهرة قد لا يعي لخطورتها الكثير من الاشخاص ولا ينتبه لها مستخدمو مواقع التواصل، إلا أنها في غاية الخطورة وهي استغلال الاطفال في مواقع التواصل من قبل أولياء امورهم.

تنتشر في مواقع التواصل الاجتماعي صور أكواب القهوة والاطباق الشهية من الطعام ومناظر الجبال والبحار والاسفار وصور الاشخاص في احتفالاتهم الشخصية من اعراس واعياد ميلاد ولا تخلو مواقع التواصل الاجتماعي من صور الاطفال التي تقوم بالتقاطها الامهات كنوع من الفخر والاعتزاز بابنائهن، إلا أن الاكثار من نشر صور الاطفال وتفاصيل حياتهم قد يعرض الام الى الانتقاد الاجتماعي وازعاج المتابعين بتفاصيل الاطفال التي قد لا تعنيهم بشيء.

النرجسية الإلكترونية
إلا أن هناك امراً أكبر من مجرد نشر الصور والانتقاد الاجتماعي الذي قد تكون تفعله الأم دون وعي او ادراك وهو النرجسية الالكترونية عندما تقوم الام بنشر صور اطفالها بحفلات التفوق والنجاح والتفاخر بانجازاتهم ومبارياتهم وادائهم المدرسي والشعور بالاهمية ومحاولة التكسب من وراء اطفالها واثارة اعجاب الاخرين بها من خلال انجازات ابنائها.

خيط رفيع
وقد وصفه الباحثون بأبعد من النرجسية، حيث أكدوا أن نشر صور الاطفال بكثرة خصوصا انجازاتهم وحياتهم اليومية هي محاولة لفت انظار المجتمع والتباهي بهم، مما لا يكون امرا ايجابيا على الدوام، وهناك خيط رفيع بين التباهي الايجابي والاحساس بالفخر بانجازات الابناء وبين التباهي السلبي والغرور.
إلا أن دراسة علمية لكيتي وليامس نشرت عام ٢٠٠٩ في مجلة gender and education أكدت أن التعبير بالفخر بالابناء له آثار ايجابية في مشاعر الاطفال.
ووجدت د. ليزا لازرد في دراسة قدمتها مؤخراً في مؤتمر المجتمع النفسي في الولايات المتحدة تحت عنوان «الأمومة الالكترونية وسبب نشر صور الاطفال في مواقع التواصل الاجتماعي» ان غالبية الامهات يشعرن أن نشر صور انجازات اطفالهن نوع من الواجب الاجتماعي ودليل على حسن التربية الذي يعود على الام.
كما أكدت ليزا ان الضغوط الاجتماعية تحتم على الامهات نشر صور اطفالهن كنوع من المشاركة.

التعدي على الخصوصية
وتصبح مشاعر الفخر والتباهي بالاطفال اكثر تعقيدا مع تقدمهم بالعمر، حيث يصبح من الواجب استئذانهم قبل نشر صورهم وإلا كان النشر يعد تعدياً على الخصوصية ويضع الاطفال تحت الضغط النفسي والتوتر.
كما ان نشر صور المراهقين دون اخذ موافقتهم يشعرهم بالتوتر خصوصًا ان كانت صوراً لا تعحبهم خوفاً من تقييم الجماعة وشعورهم بمراقبة زملائهم لهم.
وهناك امر اخلاقي مختلف إلا انه اكثر خطورة وهو نشر صور المراهقين في حسابات الآباء والامهات يضعهم في حالة توتر واضطراب بسبب خوفهم من عدم تلقي عدد اعجاب كافٍ او تعليقات ايجابية كافية وهذا امر يجب ان ينتبه إليه اولياء الامور قبل الاستهانة بمشاعر أبنائهم ونشر صورهم دون موافقتهم.
وفي مقالة نشرت في «التليغراف» أكدت أنه ما ان يقوم الآباء بنشر صور اطفالهم على مواقع التواصل فإنهم يفقدون السيطرة على ما يمكن ان يحدث لتلك الصور ومن يمكن ان يستغلها وكيف.
وفي دراسة ميدانية أجرتها الجمعية الوطنية لحماية الأطفال من العنف NSPCC في المملكة المتحدة نشرتها «الاندبندنت» على عينة شملت 1000 من الآباء أن %87 يشعرون أن حياة ابنائهم يجب ان تبقى محفوظة وبعيدة عن مواقع التواصل الاجتماعي، من ضمن الـ%13 الذين لا يمانعون نشر حياة ابنائهم %80 يحددون من يستطيع أن يشاهد الصور و%52 منهم أكدوا ان اطفالهم لا يمانعون نشر صورهم و%15 ابدوا تخوفهم من أن اطفالهم قد لا تعجبهم الصور حين يتقدم بهم العمر.

استغلال الأطفال
ومع ظاهرة مشاهير ومؤثري مواقع التواصل والاعلانات الهائلة التي يقومون بها، ظهرت على السطح موجة جديدة وهي الأطفال المشاهير ولهم مواصفات عدة:
1. أبناء مشاهير ويقومون بتصويرهم ونشر يومياتهم.
2. أطفال يمتلكون مواهب مختلفة مثل الغناء والرقص و خفة الدم فيقوم آباؤهم وأمهاتهم بانشاء مواقع خاصة بهم لنشر يومياتهم.
3. أطفال مميزون بجمالهم ووجوهم الملائكية فيقوم اولياء امورهم بنشر صورهم وانشاء حسابات خاصة بهم.
ومهما اختلفت اسباب نشر صور الاطفال والهدف من وراء الصور الا ان استغلال الاطفال بهذه الصورة امر خارج عن الاخلاقيات ويخرق خصوصية الطفل خصوصا في الحالات التي يتم التكسب المادي من وراء نشر صور الاطفال، فكثير من الاحيان يتم نشر صور الاطفال لاثارة الاستعطاف وكسب المزيد من المشاهدات وخلق المحتوى وتكوين قاعدة جماهيرية للطفل ومن ثم استغلاله للاعلانات المدفوعة الثمن لمنتجات الاطفال والأنشطة الخاصة بالطفل.
ولعل استخدام الاطفال في الاعلانات والتمثيل والفن امر مشروع في كل دول العالم إلا أن هناك قيودا وقوانين تنظم العملية، ففي ولاية كاليفورنيا الحاضنة لهوليوود، وهي موقع ولادة الفنانين وأعمال ديزني وغيرها فإن %15 من ايرادات الطفل تذهب في حساب مخصص في الدولة لا يمكن استخدامه الا عند بلوغ الطفل 18 عامًا و%10 من ايرادات الطفل تذهب إلى وكيل اعماله يقوم بالتسويق وابرام الاتفاقيات و%5 لمحامٍ خاص بالطفل و%15 تذهب إلى مدير اعمال الطفل (التي في العادة تكون ولي امره) والباقي يذهب إلى الضرائب والمصروفات.
ومن خلال المحامي يتم حفظ حقوق الطفل حتى لا يتم استغلاله من قبل والديه، إلا انه مع كل تلك القوانين والحقوق فإن المال هو السبب الرئيسي للنزاع بين غالبية الاطفال النجوم في هوليوود وبين آبائهم والسبب الرئيسي للطلاق بين الوالدين.
ووفقاً للقوانين فإن المال الذي يجنيه الطفل من عمله ليس ملكاً للعائلة، بل هو مال الطفل وحده وله حق التصرف به واذا ما اراد الوالدان التصرف بالاموال فيتم ذلك بالاتفاق مع الطفل.

أين القوانين؟

السؤال المهم هنا: هل لدينا قوانين تضمن حق الاطفال الذين يجنون اموالا من الاعلانات في مواقع التواصل والذين يتم استغلالهم من قبل اولياء امورهم في عرض الملابس والذهاب للمنتزهات والالعاب للاعلان مقابل مبالغ مالية يتقاضاها الآباء؟.
وقد يذهب البعض إلى ان تلك الاموال ملك للعائلة ويتم ادخارها لتوفير الحياة الكريمة لهم، الا انها في الواقع ليست كذلك بل هي ملك للطفل وحده.

على الرغم من أن القانون الكويتي قد وفر الحماية الكاملة للطفولة وفق لقانون رقم ٢١ لسنة ٢٠١٥ في شأن حقوق الطفل، فإن المشرع لم ينص صراحة على موضوع استغلال الأطفال مادياً ولم يتعاطَ مع موضوع نشر صور الأطفال في مواقع التواصل والتربح من خلالها الا ان القانون نص في المادة الـ٨٨ على العقوبة بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة عشرة آلاف دينار لكل من يستورد او يصدر او ينتج أو يعد أو يعرض أو يروج او يطبع او يبث اي اعمال اباحية يشارك فيها اطفال او تتعلق بالاستغلال الجنسي للطفل او الاعمال المنافية للآداب او تحريض الاطفال على الانحراف.

تحريض على الانحراف!

شاهدنا في مواقع التواصل الاجتماعي انتشار مقاطع فيديو لآباء يقومون باستغلال اطفالهم لجذب الاثارة من خلال تعليمهم التدخين وهم لم يتجاوزوا السنوات الخمس وآباء يقومون بتصوير اطفالهم وهم يتعرضون للافتراس من قبل الحيوانات، واطفال يقومون بالرقص الاستعراضي وغيرها من مقاطع يقشعر لها البدن، وهي بلا شك تحرض الأطفال على الانحراف وأعمال تنافي الآداب العامة وقد يعاقب عليها قانون الطفل ٢١ لسنة ٢٠١٥.

عضو هيئة التدريس في جامعة الكويت – قسم الإعلام*

المصدر من القبس

نظام الارشفة الالكترونية