تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية00 بنعتيق وأوجار وفارس والنباوي في ندوة بمراكش حول مدونة الأسرة

المغرب: تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية00 بنعتيق وأوجار وفارس والنباوي في ندوة بمراكش حول مدونة الأسرة

نظام الارشفة الالكترونية



وتأتي هذه الندوة في إطار تنزيل إستراتيجية الوزارة الرامية إلى حماية حقوق ومصالح مغاربة العالم داخل وخارج أرض الوطن، وتعبئة كفاءاتها بالخارج وإشراكهم في الدينامية التي يشهدها بلدهم الأصل. كما تندرج في سياق النقاش الدائر حول تعديل مدونة الأسرة، والذي شكلت الرسالة التي وجهها صاحب الجلالة الملك محمّد السادس نصره الله إلى المشاركين في أشغال المؤتمر الإسلامي الخامس للوزراء المكلفين بالطفولة بتاريخ 21 فبراير 2018 منطلقا أساسيا للتفكير في مداخل هذا الإصلاح، باستحضار ما واكب التجربة العملية لتطبيق هذا النص من صعوبات، وما أبانت عنه من نقائص، وقد عبر جلالته عن هذا الأمر في الرسالة السابقة بما يلي: “…عملنا على تعزيز تماسك الأسرة، من خلال اعتماد مدونة متقدمة للأسرة، تراعي المصلحة الفضلى للطفل وتصون حقوقه، في كل الظروف والأحوال، داعين إلى مواكبتها بالتقييم والتقويم، لمعالجة النقائص التي أبانت عنها التجربة.”
وإذا كان تطبيق نصوص مدونة الأسرة، التي مر على دخولها حيز التنفيذ ما يزيد عن 14 سنة، يفرض وقفة تأمل لرصد المكتسبات، وتقييم مسار التجربة بغية تحديد مداخل الإصلاح المنشود، فإن الرهان معقود على تبني قراءة تستحضر أبعاد وآثار هذا التطبيق بدول الاستقبال، ذلك أن معيار نجاح أي نص مثل قانون الأسرة لا يتوقف بالضرورة على ملامسته للإشكالات ذات الطبيعة الوطنية، بل بقدرته على الانسجام والصمود أمام أي اختبار لمقتضياته داخل الأنظمة القانونية الأجنبية. وقد كانت السمة الأساسية التي طبعت مقتضيات مدونة الأسرة ذات الصلة بالمغاربة المقيمين في الخارج تصب في إطار فلسفة التيسير، وتبسيط الإجراءات ورفع الحرج.
ومن هذا المنطلق لم يكن صدفة اختيار موضوع هذه الندوة الذي يقارب قانون الأسرة المغربي على ضوء القانون المقارن والاتفاقيات الدولية، وهي مزاوجة تروم، من جهة، استحضار آفاق تطبيق هذا النص في الخارج، وقدرته على الصمود، ومن جهة أخرى، الكشف عن موقف القضاء المغربي بخصوص آثار الأحكام الصادرة عن محاكم وسلطات دول الاستقبال الإدارية في المادة الأسرية.
كما يستحضر في هذا المجال دور الاتفاقيات ذات الصلة بالميدان الأسري في إيجاد حلول لبعض الإشكالات المستعصية، والتوفيق بين مختلف الأنظمة القانونية المتباينة، سواء تلك المبرمة على الصعيد الثنائي، أو المتعددة الأطراف.
إن اختلاف المرجعية المتحكمة في ميدان الأسرة بين الأنظمة الإسلامية عموما، وبين الأنظمة العلمانية بتبني الأولى لحلول ذات مرجعية دينية عقدية في العديد من المواضيع الأسرية، وباستبعاد الثانية لأي تمييز أساسه ديانة، أو جنس الشخص، وإعطاءها نوع من التقديس المفرط لمفهوم الحرية الشخصية، وتصورا مثاليا للمساواة بين طرفي العلاقة الأسرية، يجعل الأسرة المغربية في دول الاستقبال تعيش تأرجحا بين هاجس الحفاظ على هويتها وثقافتها الوطنية، وسياسة الإدماج والاستيعاب التي تمارسها سلطات بلد الإقامة.
ولا شك أن ما شهدته تشريعات القانون الدولي الخاص -خاصة الأوربية- من تطورات في السنوات الأخيرة ساهم بشكل كبير في التأثير على المجال الذي كان مخصصا في الماضي للقانون الوطني للأجنبي كضابط للإسناد في المادة الأسرية، إذ شهد تراجعا لافتا لفائدة ضابط الموطن والإقامة الاعتيادية، واتساع رقعة حرية اختيار القانون الواجب التطبيق في هذا النوع من القضايا، أو ما يسمى بسلطان الإرادة. وهو ما يعني تضييق مجال تطبيق قانون الأسرة المغربي على المواطنين المغاربة بالدول المعنية.
ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل برزت توجهات جديدة للاجتهاد القضائي لدى غالبية الدول الأوربية، عملت على استبعاد الأحكام والعقود الصادرة عن المحاكم المغربية، مستندة في ذلك على مفهوم مشوه لآلية النظام العام الدولي، لا يخلو من نزعة عدائية.
وقد ساهم في هذا التحول دخول الدول الأوربية في “معاهدة أمستردام”، حيث تم تبني عدة تغييرات جوهرية في حقل القانون الدولي الخاص، وذلك بالإقدام على إبرام عدة اتفاقيات في إطار ما سمي ب “بروكسيل1″، و”بروكسيل2″، كما أغنت الاجتهادات الصادرة عن محكمة العدل الأوربية، والمحكمة الأوربية لحقوق الإنسان هذا الفرع القانوني الهام، وكان لها بالغ الأثر على تغيير العديد من توجهات المحاكم الوطنية في الموضوع.
كل هذه المعطيات آثرت بشكل مباشر على قواعد تنازع القوانين، والاختصاص القضائي الدولي، ومفهوم النظام العام الدولي…وأصبحت بعض المبادئ المؤطرة للموضوع، والتي كانت تعد إلى وقت قريب من الأمور الجوهرية، مجالا لتحولات جوهرية في بنيتها وحمولتها القانونية.
وأمام هذا الوضع، بات لزاما على المشرع المغربي خلق آليات جديدة ونهج سياسة أكثر انفتاحا من أجل التعامل مع الظروف المستجدة، بالشكل الذي يراعي الإكراهات، ويسهم في ضمان استمرار الوضعيات القانونية بشكل انسيابي، ودون عراقيل. وهو ما يتطلب إعادة النظر في المنظومة المتعلقة بآثار الأحكام والعقود الأجنبية، بالشكل الذي يضبط حدود الاعتراف، وحالات إلزامية سلوك مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، ومجال مراقبة السلامة الدولية للأحكام وتجلياته. كل وفق مقاربة تتسم بالمرونة والتيسير.
ولا شك أن ما ستسفر عنه هذه الندوة من نقاشات سيكون له بالغ الأثر على صياغة توصيات تساهم في التخفيف من عبء المشاكل التي تواجهها شريحة من مواطنينا المقيمين بالخارج، ولعل أبرز هذه المشاكل تتجسد فيما يلي:
● أولا: آثار الأحكام والعقود الأجنبية في المادة الأسرية على ضوء الاتفاقيات الدولية:
ينصب هذا المحور على مناقشة الإشكالات التي يفرزها الواقع العملي بخصوص موقف السلطات القضائية والإدارية من الأحكام والعقود الصادرة في المادة الأسرية، والإشكال الذي يعد مبعثه عدم التمييز بين مفهوم الاعتراف والقوة الثبوتية التي تكتسيها الأحكام والعقود الأجنبية، والتي يمكن الاستناد عليها دونما مطالبة بسلوك مسطرة التذييل بالصيغة التنفيذية، وبين الحالات التي تعد فيها المسطرة السابقة إلزامية، وهي التي ترتبط بشكل وثيق بالحالات التي يراد من خلالها ترتيب أثر تنفيذي لذلك الحكم أو العقد، والتي قد تستوجب وسائل التنفيذ الجبري.
وسيتم تبعا لذلك التطرق للزواج والطلاق وآثارهما، من خلال مقاربة المادتين 14 و15 من مدونة الأسرة، بتحديد الإشكال الناجم عن المقصود بالإجراءات الإدارية المحلية لبلد الإقامة المنصوص عليها في المادة 14؟ الإشكالات التي يمكن أن تطرحها الشروط الموضوعية، وخاصة ما يتعلق بشرط انتفاء الموانع، كزواج المسلمة بغير المسلم، والمسلم بغير الكتابية، وكذا شرط الشاهدين المسلمين؟ وتحديد قصد المشرع بعملية الإيداع المنصوص عليها في المادة 15، هل المقصود بها إيداعا إداريا أم قضائيا؟ وما هي الآثار المترتبة عن عدم احترام الإجراءات المنصوص عليها في المادة 15…… يضاف إلى ما سبق مسألة تدبير الأموال المكتسبة والأوضاع المالية للزوجين والأطفال خاصة بعد انتهاء الرابطة الزوجية وما تثيره من صعوبات قانونية قد تفرز بعض الأوضاع الاجتماعية المأساوية، وما تطرحه من إشكالات سيما في حالة وجود أموال بالمغرب.
ومن جهة أخرى يطرح طلاق المغاربة بالخارج العديد من الإشكالات كتلك المتعلقة بتنازع الاختصاص القضائي الدولي، وكذا الاختصاص التشريعي، وحدود استقبال الأحكام الصادرة بإنهاء العلاقة الزوجية في البلد المعني، والتطرق للمستجد الذي ورد في مدونة الأسرة في المادة 128، وهو مقتضى تشريعي هام من شأن حسن استيعابه التعامل بمرونة كبيرة مع الأحكام الأجنبية ذات الصلة بإنهاء العلاقة الزوجية لأطراف مغاربة…
كما سيتم التطرق للصيغ الجديدة لإنهاء العلاقة الزوجية غير القضائية التي تبنتها بعض الأنظمة الأوربية كفرنسا، وإسبانيا، وإيطاليا، وحظوظ الاعتراف بها فوق التراب المغربي، وهل تطرح إشكالا على مستوى تذييلها بالصيغة التنفيذية بالنظر لطبيعتها…
● ثانيا: حماية الطفل في ضوء الاتفاقيات الدولية:
فضلا عما أشير إليه أعلاه، تكتسي حماية الطفل بالغ الأهمية، خاصة إذا تم استحضار مقتضيات الاتفاقيات الدولية، والتي نظمت جانبا لا يستهان به من هذه الحماية.
وتثير في هذا الصدد قضايا الحضانة العديد من الإكراهات، الناجمة أساسا على اختلاف القواعد المؤطرة للموضوع بين اعتماد قواعد موضوعية مسبقة لتحديد مستحقيها، واعتماد مصلحة الطفل الفضلى كمحدد أساسي لإسنادها، بالإضافة إلى دور اختلاف جنسية الأبوين في تأجيج الصراع في بعض الأحيان، واستعمال الحدود بين الدول كدافع لنقل الأطفال بشكل غير مشروع، وهو الموضوع المنظم بمقتضى اتفاقيات ثنائية، واتفاقية لاهاي ل25 أكتوبر لسنة 1980، وعموما فحضانة الأطفال في إطار الروابط الدولية الخاصة لاتزال مثار العديد من المنازعات، خاصة ما تعلق بالقانون الواجب التطبيق على الحضانة في الزواج المختلط، واستبعاد هذا القانون الأخير بسبب مخالفته للنظام العام الدولي.
ومن جانب آخر يطرح مشكل زيارة الأطفال العابر للحدود تحديا على سلطات الدول المعنية، تتعلق أساسا بحدود الاعتراف بالسند المنشئ لهذا الحق، وتيسير الإجراءات الإدارية لممارسته في أفضل الظروف.
ولا يخلو كذلك موضوع كفالة الأطفال المغاربة المهملين من طرف أسر مغربية مقيمة بدول المهجر، أو أجنبية من مشاكل تذكر، رغم ما توفره اتفاقية لاهاي لسنة 1996 من آليات للتعاون بين الدول في هذا الصدد، وإرساءها لمبدأ الاستشارة القبلية المنصوص عليه في المادة 33 منها، وهي مشاكل تتمحور أساسا في حق الطفل المكفول في الولوج لدولة كافليه بدون عراقيل، واستفادته من التجمع العائلي، وضمان استمرار وضعيته القانونية في دول الاستقبال، واستفادته من المساعدات الاجتماعية، وضمان تتبع وضعيته…
وبخصوص موضوع النفقة يطرح مشكل ازدواجية الأحكام أو المطالبة بالنفقة بين دولة إقامة الملزم، وبلده الأصل، إذ غالبا ما يتم رفع الدعوى بين محاكم البلدين لأداء نفس المبلغ المطالب به، وهو ما تصدت له محكمة النقض المغربية بإعطاء حجية للوقائع المضمنة بالحكم الأجنبي المثبتة للحكم بالنفقة أمام القضاء المغربي، دونما اشتراط لتذييلها بالصيغة التنفيذية…
وفي ذات السياق يشكل استيفاء النفقة في الخارج إحدى الإمكانات القانونية لحمل الملزم بالنفقة على أداء ما بذمته، وذلك عبر إرساء آليات للتعاون في هذا الصدد بين الدول المعنية سواء الطرف في إطار اتفاقية ثنائية، أو في إطار اتفاقية نيويورك لسنة 1956.

ولمناقشة كل هذه الإشكالات وتذليل الصعوبات المثارة، بادرت الوزارة إلى تنظيم هذا اللقاء، والذي سيعرف مشاركة عدد من المختصين والباحثين. إذ علاوة على مشاركة المحامين المزاولين بالمغرب ونظرائهم بالخارج، سيعرف هذا اللقاء، مشاركة قضاة عن رئاسة النيابة العامة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وممثلين عن وزارة العدل وباقي القطاعات الوزارية والمؤسسات المتدخلة في هذا المجال.

المحامي

تاريخ النشر: 2019-01-31 00:00:04

الناشر/الكاتب: كواليس اليوم

مغرس : أخبار المغرب على مدار الساعة – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية