بأمر القضاء.. الحرية للكلمة

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

في سابقة هي الأولى من نوعها في الكويت «قضت المحكمة برفض الاستئناف المقدم من وزارة الإعلام بشأن رواية «رائحة التانغو»، للكاتبة دلع المفتي، وتأييد حكم أول درجة التقاضي بإلغاء قرار الجهة الإدارية، المتضمن منع الرواية من التداول بدولة الكويت». هكذا كان نص الخبر الذي بشرني به المحامي بسام العسعوسي، الذي كان له الفضل الأول والأخير في الانتصار لحرية الكلمة ضد قرار وزارة الإعلام وتعسفها الرقابي.
موضوع الرقابة في الكويت، أُشبع نقدا وتحليلا و«سخرية». كلنا نعلم أنه لم يعد ثمة محظور أو ممنوع، فالتكنولوجيا أسقطت سلطة الرقابة، ومنحت الناس حرية الحصول على ما يريدون بكبسة زر. هو الشعور بالخجل فقط أو الحرج، عندما يشارك الكاتب بكتابه في معارض الكتب في الدول المجاورة، بل ويفوز كتابه بجائزة إبداعية (كما حصل مع الكاتب عبدالله البصيص)، بينما هو ممنوع في وطنه. الأمر الأسوأ والأكثر حرجا هو الضرر بسمعة الكويت، التي كانت يوماً ما منارة الأدب والفن والحريات في المنطقة.
كتاب كثيرون منعت كتبهم في الكويت: سعود السنعوسي، بثينة العيسى، عبدالله البصيص، ناصر الظفيري، عامر التميمي، عبدالوهاب الحمادي وغيرهم. لكن معظمهم لم يحرك ساكنا، وأنا واحدة منهم، اعتراض وشكوى هنا، ومقال وتغريدة هناك.. وانتهى الامر. إلى أن بادر الأستاذ بسام العسعوسي بالتواصل معي، بخصوص رفع قضية على وزارة الإعلام قائلا: «وقعي لي توكيل وخلي الباقي علي»، وهكذا كان. وبعد انتشار الخبر قام بعض الكتّاب الممنوعة كتبهم بالتصدي للجنة الرقابة ورفع قضايا مماثلة، وما زالوا ينتظرون الأحكام.
مسألة تدهور الحريات في الكويت، وازدياد حملات تكميم الأفواه وحجب الكلمة وتقييد الرأي، هي مسؤولية المجتمع المدني والمثقفين في المقام الأول. فأمام هيمنة التيار المتشدد، الذي يقف لكل كلمة بالمرصاد، ويجعل من نفسه «بعبعاً» يرتجف أمامه بعض المسؤولين خوفاً من قضية أو استجواب، لا بد للتيار المدني الليبرالي أن يتحرك. فالتيار الآخر منظم، مرتب، صوته عال ويدعم بعضه بعضا، أما التيار الليبرالي فمشتت، كل يغني على ليلاه، وكل يشكي همه لوحده بعيداً عن الآخر، وحتى عند إقامة ندوة تناقش حرية الرأي والكلمة وكيفية التصدي للرقابة قانونيا، لا يحضرها كاتب واحد ولا حتى ممن تضرروا.
إن وظيفة الكاتب لا يمكن أن تكون التربيت على كتف المجتمع، ولا التصفيق لحكومة، فالكاتب عليه أن يحرك الرأي العام، وينبش المسكوت عنه، وينفض الغبار عما خفي من مساوئ، وعليه، يجب ألا يحاسب على آرائه السياسية ولا انتقاده للمجتمع ولا للسلطة، هذه وظيفته، فهو يعيد بث الوعي في المجتمع بحروفه.
ان الحكم القضائي بإلغاء قرار منع كتابي لا يعني لي بقدر ما يعني لحرية الكلمة والرأي في الكويت، وترسيخا لعدالة القضاء الكويتي. الانتصار ليس انتصارا شخصيا، بل هو انتصار لدستور الكويت وللحرية، وهذا بالنسبة لي أهم وأغلى من مئة كتاب.

دلع المفتي
[email protected]
dalaaalmoufti@



المصدر.. القبس

نظام الارشفة الالكترونية