الكويت : جريدة الجريدة الكويتية | «التمييز»: الأحكام الجزائية بالبراءة لانتفاء القصد أو للتشكك ليست حجة لطالبي التعويض



• المحكمة أكدت أنه لا يكون لهذه الأحكام حجية في الدعوى المدنية لعدم نفيها الواقعة
• «المستأجر يلتزم برد المأجور بحالته وإلا عوّض المؤجر عما لحقه من ضرر»

أكدت محكمة التمييز المدنية أن الأحكام الجزائية الصادرة بالبراءة لانتفاء القصد الجنائي أو التشكك ليست حجة أمام طالبي التعويض.

في حكم قضائي بارز، أكدت محكمة التمييز المدنية، برئاسة وكيل المحكمة المستشار مشعل الجريوي، أن الأحكام الجزائية الصادرة من القضاء الجزائي لمجرد انتفاء القصد الجنائي أو التشكك في الدليل، لعدم اطمئنانها، لا يعد قطعا بعدم ارتكاب الجريمة، ولا يكون للأحكام ثمة حجية في هذا الشأن.

وقالت المحكمة، في حيثيات حكمها، إن مبنى الحكم الصادر ضد المدعى عليه ببراءته من تهمتي خيانة الأمانة والإتلاف تستخلص منه توافر الخطأ، رغم أن مبنى الحكم الجزائي بالبراءة هو انتفاء القصد الجنائي لخلو الأوراق مما يدل على انصراف ورثة المتهم إلى إضافة المال إلى ملكه، وأن العلاقة متمما منهما علاقة مدنية، وقصور الدليل عند بلوغ امتناع المحكمة بارتكاب واقعة الإتلاف مما لا يكون للحكم الجزائي حجية في الدعوى، ولا يمنع المحكمة من الحكم بالتعويض، فإنه يكون معيبا بما يوجب تمييزه.

وحيث إنه عن موضوع الاستئناف والثابت بتقرير الأدلة الجنائية بوجود تلفيات بالسيارتين محل التداعي بينها التقرير، وأن المستأنف قام بإصلاحها وفقا لما قدمه من مستندات إثباتا لذلك، ومن ثم فإن المحكمة ترى ما أصاب المستأنف من تعويضه من أضرار قد استقرت، وعليه تقدير مبلغ 1500 دينار كتعويض نهائي يلزم المستأنف ضدهما، مما يتعين إلغاؤه وإلزام المستأنف ضدهما به.

خيانة الأمانة

وتتحصل وقائع القضية في أن الطاعن نفسه وبصفته أقام على المطعون ضدهما الدعوى بطلب الحكم بإلزامهما متضامنين بأن يؤديا له مبلغا قدره 5001 د.ك على سبيل التعويض المؤقت، وقال بيانا لذلك إنه بموجب اتفاقيتي تأجير مركبات استأجرت الشركة المطعون ضدها الأولى منه عن كل عقد سيارة مقابل إيجار شهري قدره 450 دينارا خلال المدة الأصلية، ومبلغ 390 دينارا خلال المدة المجددة، إلا أنها امتنعت رغم انتهاء المدة الأصلية عن رد السيارتين – فتقدم بشكوى جزائية، وفيها أقر المطعون ضده الثاني بمسؤوليته عن تسليم السيارتين، وسلمهما بالفعل للمخفر، وتمت معاينتهما بمعرفة ضابط المخفر، الذي أثبت التلفيات الموجودة بهما، وإذ تم توجيه تهمة خيانة الأمانة إلى المطعون ضده الثاني، وقيدت القضية جنح، وأحيلت للمحاكمة، قضت المحكمة حضوريا ببراءته مما نسب إليه، وبعدم اختصاصها بنظر الدعوى المدنية المرفوعة بالتبعية للدعوى الجزائية، وتأيد ذلك الحكم بالقضاء الصادر بالاستئناف جنح مستأنف.

وقال الطاعن أمام المحكمة إن امتناع المطعون ضدهما عن تسليم السيارتين بعد انتهاء عقد الإيجار، وإحداث تلفيات بهما يعد إخلالا منهما بشروط عقد الإيجار، مما يشكل خطأ في حقهما ألحق أضرارا مادية تمثلت في حرمانه من الانتفاع بالسيارتين وعدم تسليمهما إليه إلا بعد إقامة الدعوى الجزائية، فضلا عن إنقاص قيمتهما السوقية لما لحق بهما من تلفيات، وقضت محكمة أول درجة برفض الدعوى بحكم استأنفه الطاعن عن نفسه وبصفته بالاستئناف، وقضت بتأييد الحكم المستأنف، وطعن الطاعن عن نفسه وبصفته بالطعن بالتمييز، وأودعت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأي بتمييز الحكم المطعون فيه.

وقالت المحكمة إن الطعن أقيم على ثلاثة أسباب تنعي بالسبب الأول منها على الحكم المطعون فيه القصور في التسبيب والفساد في الاستدلال ومخالفة الثابت بالأوراق، إذ قضى برفض الاستئناف استنادا إلى أن اتفاقيتي التأجير لمدة 24 شهرا، وأن الطاعن يطالب بالتعويض عن حيازة السيارتين موضوعها خلال مدة لاحقة لتجديدهما، ولم يقدم ما يدل على تجديدهما وفق ذات الشروط الأصلية، رغم أنه تم النص في الاتفاقيتين على أن تجدد مدة الإيجار لمدة أخرى ما لم يخطر أحد الطرفين بعدم رغبته في التجديد، في حين أنه قدم حافظة مستندات بتاريخ طويت على مراسلات متبادلة بين الطرفين بين فيها تجديد مدة الإيجار تلقائيا، ومنها الكتاب الصادر إليه من الشركة المطعون ضدها الأولى برغبتها في إنهاء التعاقد، واقامة الأخيرة أمرا على عريضة تظلمات بطلب فسخ الاتفاقيتين يعد تجديدا بهما بما يزيد على خمسة أشهر، وإذ خالف الحكم الثابت بالمستندات يكون معيبا بما يستوجب تمييزه.

جريمة التبديد

وأضافت المحكمة أن الطاعن عن نفسه وبصفته ينعى على الحكم المطعون فيه الخطأ في التطبيق والفساد في الاستدلال، وفي بيان ذلك يقول إن المطعون ضدها الأولى أتلفت السيارتين على النحو الثابت بتقرير الأدلة الجنائية، وحرمته من الانتفاع بهما خلال الفترة من انتهاء العقدين حتى تاريخ تسليمهما إليه، ومن ثم فإن أساس الدعوى هو المسؤولية التقصيرية، وليست العقدية، وإذ أورد الحكم المطعون في أسبابه أنه يطالب بالتعويض عن حيازة المطعون ضده للسيارتين خلال مدة لاحقة لتجديد العقدين، وأنه أقام قضاءه برفض الدعوى استنادا إلى أن الحكم الجزائي الصادر ببراءة المتهم المطعون ضده الثاني رغم أن الحكم لم ينفِ ارتكاب الفعل المادي للجريمة، وإنما تأسس على انتفاء القصد الجنائي بالنسبة لجريمة التبديد وعدم ثبوت قيامه بالإتلاف عمدا، بما لا يكون قد اتصل في الأساس المشترك بين الدعويين المدنية والجزائية بما يعيبه ويستوجب تمييزه.

وبينت أن هــــذا النعــــــي فـــــي محلـــه، ذلك أن المقـــرر في قضـــاء هـذه المحكمة أن محكمة الموضوع لا تتقيد في تحديد طبيعة المسؤولية بما استند إليه المضرور في طلب التعويض أو النص القانوني الذي اعتمد عليه ذلك، بل يتعين عليها من تلقاء نفسها أن تحدد الأساس القانوني الصحيح للمسؤولية، وأن تتقصى الحكم القانوني المنطبق على العلاقة بين طرفي دعوى التعويض، وأن تنزله على الواقعة المطروحة عليها دون أن يعد ذلك منها تغييرا لسبب الدعوى أو موضوعها، باعتبار أن كل ما تولد للمضرور من حق في التعويض عما أصابه من ضرر قبل من أحدثه أو تسبب فيه هو السبب المباشر لدعوى التعويض مهما اختلفت أسانيده، وأن النص في المادتين 595 و596 من القانون المدني أن المستأجر يلتزم برد المأجور عند انتهاء الإيجار بالحالة التي تسلمه عليها، وإلا التزم بتعويض المؤجر عمَّا يلحقه من ضرر نتيجة عدم تسليم المأجور إليه، ولا ترتفع مسؤولية المستأجر إلا إذا أثبت السبب الأجنبي، وأن هلاك المأجور أو تلفه لم يكن نتيجة تقصير من جانبه والتزم المستأجر برد المأجور متفرع عن التزامه بالمحافظة عليه واستعماله الاستعمال المألوف المنصوص عليه في المادة 592 مدني فهو مسؤول عما يصيب المأجور من تلف أو هلاك ناشئ عن استعماله استعمالا غير مألوف، وأن مسؤوليته هذه مسؤولية مفترضة.

رعاية المأجور

وأردفت المحكمة: ويترتب على ذلك أن مجرد وجود التلف أو الهلاك في المأجور يضم قرينة على وقوعه بخطأ المستأجر، ويتحمل المسؤولية عنه ما لم يثبت انتفاء خطئه عن التلف أو الهلاك، وأنه بذل في رعاية المأجور وفي حفظه عناية الرجل المعتاد، وذلك ما لم يتفق على تشديد مسؤوليته – ومسؤولية المستأجر في المحافظة على المأجور لا تقتصر على أعماله الشخصية، بل تمتد أيضا إلى أعمال تابعيه من أهل بيته وأقاربه الذين يسكنون معه أو يستضيفهم، وكذلك خدمه وعماله والمستأجر من الباطن والمتنازل إليه عن الإيجار وكل شخص تكون له صلة بالمستأجر هي التي مكنت له من الإضرار بالمأجور، ومسؤوليته عن اتباعه لا تنتفي إلا بالسبب الأجنبي، فلا يكفي لرفعها أن يثبت أنه قد بذل العناية الواجبة في رقابة هؤلاء الاتباع، فالتزامه هنا التزام بتحقيق غاية لا التزام ببذل عناية، وهو التزام بضمان يكون المستأجر بموجبه مسؤولا بمجرد تحققه سبب الضمان، وأن الحكم الجزائي الصادر بالبراءة مجرد انتفاء القصد الجنائي، أو مجرد تشكك المحكمة في الدليل لعدم اطمئنانها، فلا يعد قطعاً بعد ارتكاب الجريمة، ولا يكون للحكم ثمة حجية في هذا الشأن.

ولفتت الى انه لما كان ذلك، وكان الثابت من عقدي إيجار السيارتين موضوع اتفاقية التأجير المبرمة بين الطاعن والشركة المطعون ضدها الأولى أنهما تضمنا في البند (4 و) من كل منهما النص على أنه في حالة وقوع حادث يجب على المستأجر إخطار المؤجر خطيا عن الحادث، موضحا تفاصيل الحادث وموقع حدوثه ووقته، كما تضمنا في البند (5) النص على أنه يقر المستأجر بأنه قد فحص عقد التأمين واطلع على أحكامه وشروطه، ويتعيَّن على المستأجر ووكلائه وموظفيه الالتزام بشروط وأحكام البوليصة المذكورة، متضمنا التبليغ الفوري عن جميع السرقات والحوادث للمؤجر مصحوبة بتقرير حادث من الشرطة والقيام بجميع الأمور اللازمة أو المناسبة لحماية وحفظ حق المؤجر كمؤمن عليه مسمى في بوليصة التأمين، ومن ثم فإن هذا الاتفاق يتضمن تشديداً لالتزام المستأجر (الشركة المطعون ضدها الأولى) في المحافظة على السيارات المؤجرة، وتقرر بمسؤوليتها عن أي حادث تنتج عنه تلفيات بهما في حالة عدم إخطارها المؤجر كتابياً فور وقوعه، إذ كان الثابت من الأوراق أن الطاعن لم يسلم المؤجر (السيارتين) موضوع الإيجار إلا بعد انتهاء مدة الإيجار المحددة بحوالي أربعة أشهر، وقد ثبت من معاينتهما بمعرفة الأدلة الجنائية وقوع حادث نتجت عنه تلفيات بهما دون أن تخطره بوقوعه على النحو المتفق عليه، لا سيما أنها لم تدع أن ذلك كان نتيجة سبب أجنبي، ولم يكن نتيجة تقصير من جانبها، كما تنعقد عن تلك التلفيات بموجب الاتفاق سالف البيان.

حجية

وتابعت: وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر وقضى برفض الدعوى ملتزما بحجية الحكم الجزائي المؤيد استئنافيا والقاضي ببراءة المتهم (المطعون ضده الثاني) من تهمتي خيانة الأمانة والإتلاف، مستخلصا منه عدم ثبوت الخطأ، رغم أن مبنى الحكم بالبراءة هو انتفاء القصد الجنائي لخلو الأوراق مما يدل على انصراف ورثة المتهم إلى إضافة المال إلى ملكهم، وبارتكاب واقعة الإتلاف بما لا يكون للحكم الجزائي حجية في الدعوى المدنية الراهنة وهي حجية قاصرة على المتهم الثاني من دون الشركة المطعون ضدها الأولى، ولا يمنع المحكمة من الحكم بالتعويض، فإنه يكون معيباً بما يوجب تمييزه.

حسين العبدالله

المحامي

تاريخ النشر: 2021-11-09 00:02:00

الناشر/الكاتب:

الجريدة | قصر العدل – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية