المغرب: المحاماة تهان!

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

تابعت باهتمام قبل أيام إحدى الجلسات بالمحكمة الابتدائية بمدينة المحمدية، في قضية ينوب عن طرفي الدعوى فيها اسمان بارزان في المهنة، تهتز جدران القاعات خلال مرافعاتهما.

كنت أتوقع مواجهة قانونية بين الطرفين، لاسيما وأنهما يعدان من المحامين المتمرسين المشهود لهم في هذه المهنة، لكن للأسف، عِوَض الترافع، تدحرجا صوب الهاوية، وحوّلا الترافع في الملف إلى “تناتيف” بالكلمات، ولولا حرمة المحكمة لوصل إلى تشابك بالأيدي.

طالما كان جسم المحاماة محصنا ولُحمة واحدة، وكان له دور حاسم في العديد من المحطات النضالية، اليوم صار يتهاوى تدريجيا، وينبئ بتفكك هذا الاتحاد الذي شكل قوة واجهت المؤسسات القائمة بالبلاد، ورسمت جزءا من تاريخ المملكة.

إن رسالة الدفاع المقدسة تعيش اليوم لحظات عصيبة، و”بداية انقلاب” على أعرافها وتقاليدها العريقة، على غرار العديد من المهن، وعلى رأسها مهنة الصحافة.. محامون يبحثون عن “البوز” بلغة مواقع التواصل الاجتماعي، لا يعيرون اهتماما لأولى القواعد القانونية: “المتهم بريء حتى تثبت إدانته”، ما يجعل الملتحقين الجدد بها بين نارين: إتباع الأعراف أو نزع ما تبقى منها!.

محاكمة الصحافي توفيق بوعشرين أبانت عن اتجاه المحاماة إلى الحضيض، بفعل تصرفات صادرة عن أصحاب البذلة السوداء وتصريحاتهم العشوائية.. يتهافتون على الميكروفونات رغبة في الظهور لحاجة في نفس يعقوب، وتحقيق شهرة سرعان ما تنتهي، مع خرق لسرية الجلسات في أحايين أخرى.

محامون يصفون المتهم بـ”المجرم” قبل إدانته من القضاء، وتارة أخرى بـ”الإرهابي”.. يدوسون بأحذيتهم على ما تبقى من مهنة “الأعراف والتقاليد”، ما يجعلها “تعيش أزمة بسبب التباعد، إن لم نقل التنافر، بين أجيال المهنة القدامى والجدد، وبين أطيافها ومشاربها وحساسياتها”، كما قال الدكتور عبد الله درميش.

إذا كان الفيلسوف الفرنسي فولتير تمنى أن يكون محاميًا، لأن المحاماة في نظره أجمل مهنة في العالم، فلو اطلع على ما تعيشه اليوم في بلادنا، من تهافت التهافت، كان سيحمد الله لأنه لم يرتد بذلتها.

مهنة الجبابرة كما يسميها البعض تستلزم اليوم من أفرادها، وممن اختاروا ارتداء ذلك اللباس الأسود، تأنيبا لضمير أحد القضاة الفرنسيين، العودة إلى رشدهم وإنقاذها، حتى تحافظ على نبلها، وتستوجب من مختلف الهيئات ونقبائها الذين أعطوا الكثير لها إظهار “العين الحمرا” والتحلي بالجرأة والشجاعة في إنزال سيف العدل على رِقاب الخارجين عن القواعد والأعراف، والمُخلِّين بالميثاق الأخلاقي والانتصار للمحاماة.

لست هنا لأوجه دروسا لأصدقائي المحامين، فلست أهلا لذلك، لكني أهمس في أذن من يهمه الأمر، كصحافي يتابع أطوار بعض المحاكمات، بأن “المهنة يساء إليها من بعض أبنائها”، لذا، ارتقوا يرحمكم الله!

*صحافي



تاريخ النشر: 2019-01-25 15:35:00

الناشر/الكاتب:

Hespress – هسبريس جريدة إلكترونية مغربية – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية