لبنان: حرب مفتوحة على الفساد.. مرجعيات سياسية تتنصّل من اتباعها في القضاء!

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

كتبت بولا مراد في صحيفة “الديار”: لم يسبق للحرب المفتوحة على الفساد، أن اقتحمت حصوناً كانت إلى وقت قريب من المحرمات أو دونها خطوط حمراء، خصوصاً عندما تطرق هذه الحرب أبواب السلطة القضائية، وتضع عدداً غير قليل من القضاة في دائرة الشبهة، وتقود بعضهم الى المجلس التأديبي لإخضاعهم لمحاكمات مستندة إلى تحقيقات مفصلة وأدلة وثّقتها هيئة التفتيش القضائي.

ليست المرّة الاولى التي تشهر فيها الدولة سيف الحرب على الفساد، لكن دائماً ما كانت معاركها تخضع للموازين السياسية التي تقبض على مفاصل الحكم في لبنان، وتفرملها عندما تتضارب هذه الإجراءات مع مصالح الزعامات والاقطاعيات، فيما توحي معطيات المواجهة الحالية، بإمكانية استمراريتها بالاستناد الى عوامل متعددة ومهمة وبالغة الحساسية وهي:أولاً: إن إجراءات الملاحقة لم تقتصر هذه المرّة على صغار الموظفين، بل انطلقت دفعة واحدة لتشمل قضاة وضباطاً ومدراء عامين، كانوا محصنين بحمايات سياسية ويجاهرون بها، بالإضافة الى محامين كانت تصرفاتهم جزءاً من الفساد القضائي.ثانياً: إن التحقيقات الأولية التي خضع لها الموظفون والضباط أمام الأجهزة الأمنية كشفت معطيات خطيرة، لا يمكن تجاهلها أو طمسها، لأنها قد تطيح برؤوس كبيرة، وهو ما دفع المرجعيات السياسية الى سحب غطائها عن هؤلاء، سيما وأن معطيات كثيرة باتت بمتناول الرأي العام والاعلام اللبناني، ولأن هناك أجهزة أمنية تمتلك هذه المعلومات، قادرة على تسريبها إذا اقتضت الضرورة.ثالثاً وهو الأخطر: إن محاضر استجوابات المشتبه بهم أو المتهمين، تنطوي على معطيات دقيقة للغاية، أبرزها ما يتعلق بالتلاعب بالملفات القضائية، وتقديم تقارير طبية مزورة لإخراج متهمين خطيرين في قضايا مخدرات من هذه الملفات، وحذف أسماء مطلوبين آخرين عن النشرة الجرمية في قوى الأمن الداخلي، لقاء مبالغ مالية تدفع مقابل هذه الأعمال.وإزاء هذه المعطيات تؤكد مصادر قضائية أن “الملفات التي فتحت، لا يمكن أن تخضع للتسوية أو اللفلفة أو المقايضة تحت أي سبب”، معتبرة أن “أي تدخل أو محاولة تقويض الإجراءات القضائية والأمنية التي بدأت للاقتصاص من الفاسدين، ستقضي على آخر معالم هيبة الدولة، وتضرب ما تبقّى من ثقة بالسلطة القضاة المعنية بتنقية نفسها من الشوائب والموبقات قبل أن تحاسب مرتكبي الجرائم والخارجين على القانون”.وفي وقتٍ لم تنه المجالس التأديبية تحقيقاتها سواء مع القضاة أو المساعدين القضائيين أو الضباط، كشفت المصادر القضائية أن “بعض القيادات السياسية التي استفسرت عن أوضاع كبار الضباط والمدراء العامين والقضاة المحسوبين عليها، باتت محرجة جداً نتيجة ما تلقته من معلومات عنهم، وأبلغت الأجهزة القضائية والأمنية، أن هؤلاء لم يعودوا تحت حمايتها، خصوصاً وأن الملاحقات تجري بعيداً عن الاعتبارات السياسية والانتماءات الطائفية والمذهبية”. ورغم الارتياح الذي عكسته هذه الإجراءات لدى الرأي العام، فإن قلقاً ينتاب القيادات السياسية نتيجة التجاذب الحاصل بين بعض القضاة المعنيين في ملف الفساد من جهة، وبين قضاة وأجهزة أمنية من جهة أخرى، كما حال المواجهة القائمة بين مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي بيتر جرمانوس، وبين فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، وتؤكد مصادر سياسية، بأن “هذه المواجهة والتنازع الصلاحيات، يخشى منها أن تؤدي الى تقويض الحرب على الفساد، وهو ما استدعى عقد جلسة عاجلة لمجلس الدفاع الأعلى الذي استحوذ القسم الأكبر من نقاشاته على هذا الموضوع، ووضع حدّ لتضارب الصلاحيات بين القضاة أنفسهم، أو الصراع بين الأجهزة الأمنية”. ومع أن حرب الفساد لا تزال في بداياتها، أشارت المصادر الى أن الملاحقات “أسهمت في تبديل مزاج الموظفين في المحاكم والدوائر القضائية، وجعلهم أكثر من أي وقت مضى ملتزمين بالقانون، ويتعاملون بلياقة غير مسبوقة مع المحامين والمتقاضين خلال المراجعات في ملفاتهم”. ولفتت الى أن “أغلب الموظفين قطعوا اتصالاتهم بالعالم الخارجي، ولا يجيبون على أرقام هاتفية غير معروفة من قبلهم، لعلمهم المسبق بأن هواتفهم مراقبة، وتحسباً لاستدراجهم في عملية فساد”. وكشفت المصادر أن “بعض المساعدين القضائيين يعيشون مرحلة قلق غير مسبوقة، ويخشون أن يلقوا مصير رفاقهم الذين جرى توقيفهم وعلقّت وظائفهم، وهم أشد قلقاً من خسارة وظائفهم”. وبرأي المصادر نفسها، فإن القلق “لا يستند الى مخالفات ارتكبها هؤلاء، بقدر ما يخشون الإيقاع بهم من مخبرين أو مغرضين”.وما بين الارتياح لدخول مبدأ الثواب والعقاب الى مفهوم الدولة، وتبدّل السلوك في دور الموظفين في الادارات العامة بما يؤدي الى معاملة المواطن بكرامة، فإن الأمل يبقى في حسن الإجراءات القضائية، كي لا يؤخذ الصالح بجريرة الطالح.



تاريخ النشر: 2019-04-20 06:59:41

الناشر/الكاتب:

لبنان ٢٤ – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية