لبنان: قرار عن اتهامية بيروت بخصوص تزوير يقوم به موظف

نظام الارشفة الالكترونية



ورد إخبار الى النيابة العامة المالية، يتعلق بتزوير يقوم به أحد الموظفين، فأرسلت في العام 2015 كتاباً الى وزارة الداخلية تطلب إذن الملاحقة سنداً لنص المادة 61 من قانون الموظفين، أعقبته بكتابٍ ثانٍ لنفس الغاية، وقد أجابت الإدارة طالبة تزويدها بمعلومات معينة، فاستجابت النيابة المالية لطلبها وزودتها بالمعلومات المطلوبة بموجب كتاب تضمن تأكيداً على طلب الإذن، لتعود وترسل كتابين تأكيدين للإدارة التي امتنعت عن الإجابة حتى العام 2020، حيث لجأت النيابة الى النائب العام لمحكمة التمييز الذي رخّص بملاحقة المدعى عليه بتاريخ 4/11/2019. وقد أدلى المدعى عليه بعدم قانونية الملاحقة، لأن الخلاف مع الإدارة لم ينشأ بعد، إذ إنها لم ترفض طلب منح الإذن، وقد أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت القرار التالية حيثياته. 
وحيث إن النقطة القانونية المطروحة تتمثل في تحديد متى يعتبر الخلاف واقعاً بين النيابة العامة والإدارة، وهو الخلاف الذي بنشأته يسمح للنيابة العامة أن ترفع أمر البت بطلب إذن الملاحقة الى النائب العام لدى محكمة التمييز، 
حيث لمقاربة النقطة القانونية المطروحة يقتضي الإنطلاق من الطابع الإستثنائي لحصانة الموظف (إذن الملاحقة) إذ إنها تخالف مبدأ مساواة الجميع أمام القانون، والغاية الرئيسة للمشترع من إشتراط الإستحصال من الإدارة المعنية على إذن بالملاحقة لتحريك الدعوى العامة في حق أحد موظفيها بالنسبة للجرم الناشئ عن الوظيفة هي تأمين حسن سير المرفق العام والحيلولة دون الشكاوى الكيدية التي قد تساق ضد المولجين به فتعرقل أداءه واستمراريته، 
وحيث بناء على الطابع الإستثنائي للحصانة، وعلى المبدأ الدستوري الذي يكرس مساواة الجميع أمام القانون، يمسي من نافل القول، أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال تكريس حصانة مطلقة لأي كان لم يأتِ نص صريح عليها،
وحيث ما سلف يعني أنه لا يمكن التسليم إطلاقاً بنشوء حصانة مطلقة للموظفين تكرسها الإدارة من خلال عدم جوابها على طلب النيابة العامة بمنح إذن الملاحقة، 
وحيث إنه بتعابير أخرى، إن نص المادة 61 من نظام الموظفين المطابق لنص المادة 58 من نظام موظفي بلدية بيروت، لم يجز للنيابة العامة ملاحقة الموظفين قبل الإستحصال على إذن من الإدارة المختصة، وبالتالي يكون على الإدارة عند ورودها طلب الإذن من النيابة إما رفض الطلب أو الموافقة عليه، وفعلها المتمثل بعدم تقديم أي جواب سواء سلبي أم إيجابي، يعني واقعاً أنه على النيابة العامة انتظار جواب الإدارة لمدة قد تطول وتقصر بحسب إرادة الإدارة، ويعني أيضاً انتظار النيابة العامة مدة قد لا تنقضي أبدا في حال صممت الإدارة على عدم الجواب، وهو ما يؤدي الى تكريس حصانة مطلقة للموظف الأمر الذي لا يمكن التسليم به، 
وحيث تأسيساً على ما سلف، يقتضي تفسير النصوص القانونية خاصة المادة 13 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، بالمنحى الذي يؤدي الى انسجام النصوص وتحقيق الغاية التي أرادها المشرع من كل منها،  
وحيث إن المادة 13 المذكورة قد نصت صراحة على أنه “في حال الخلاف بين هذا المرجع وبين النيابة العامة، يكون للنائب العام لدى محكمة التمييز خلافاً لأي نص عام أو خاص، أمر البت نهائياً في هذا الموضوع”، 
وحيث إن المشّرع في المادة المذكورة كان متيقظاً عندما اختار استعمال تعبير “خلاف” بدلا من استعمال تعبير “رفض”، والفرق كبير بين التعبيرين، فالأول لا يشترط بالضرورة حصول الثاني لنشوئه، وإن كانت الحالة الأغلب هي حصول الرفض لنشوء النزاع، في حين أن تحقق الثاني يفضي بالضرورة الى نشوء الأول، 
وحيث بتعابير أخرى، إن رفض الإدارة منح الإذن هو أحد أوجه الخلاف مع النيابة العامة، ويمثل سكوتها عن الجواب على الرغم من توجيه النيابة لها أكثر من طلب لمنحها الإذن بالملاحقة وجهاً آخر من وجوه الخلاف، 
وحيث إسقاطاً للمبدأ أعلاه على وقائع النزاع، يكون سكوت الإدارة عن الجواب على طلب النيابة العامة المالية منحها الإذن بملاحقة المدعى عليه لمدة امتدت من العام 2015 حتى تاريخه (خمس سنوات) وعلى الرغم من إرسال النيابة خمسة كتب لطلب الإذن، مؤلفاً لخلاف حقيقي وواقعي بين النيابة والإدارة، ويكون للنائب العام لدى محكمة التمييز تطبيقاً لنص المادة 13 المبسوطة آنفا، أمر البت به،
وحيث يتبين أن النيابة العامة المالية قد عرضت أمر خلافها مع الإدارة على النائب العام لدى محكمة التمييز، فمنح الأخير الإذن بتاريخ 4/11/2019،  
وحيث يكون الإذن الممنوح من النائب العام لدى محكمة التمييز بعد استثبات تحقق حصول الخلاف بين النيابة والإدارة واقعاً في موقعه القانوني السليم، ويكون إدعاء النيابة العامة المالية موضوع الدعوى الراهنة مقبولا، الأمر الذي يفضي الى رد ما أثاره المدعى عليه، المستأنف، وتصديق القرار المستأنف لهذه الناحية بعد اعتماد التعليل الوارد في متن هذا القرار.”
إشارة الى أن هذا القرار صدر عن الهيئة الإتهامية في بيروت بتاريخ 16 نيسان الجاري.

المحامي

تاريخ النشر: 2020-04-21 12:00:00

الناشر/الكاتب:

لبنان ٢٤ – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية