منظَّمة الخط الإنساني ترصد أبرز مظاهر «التمييز»

نظام الارشفة الالكترونية

حوراء الوائلي |

طالب ممثلو منظّمة الخط الإنساني بإعادة النظر في عدد من القوانين في البلاد واستحداث أخرى لتحسين الوضع الإنساني في «بلد الإنسانية»، مشيرين إلى قضية «البدون» وقضايا التمييز ضد المرأة وزواج القصر، فضلاً عن سوء بعض التشريعات في تنظيم العمالة الوافدة والمنزلية، وضحايا غياب قانون «الصحة النفسية»، كأبرز الملفات الإنسانية العالقة في البلاد.
وحذّر أمين عام المنظمة طاهر البغلي، والعضوة لولوة الرديني في حديث لـ القبس من التبعات الاجتماعية الخطيرة لـ«التمييز» بين فئات المجتمع في الكويت بحجة الجنس أو الجنسية، وهو أمر عززته بعض القوانين في البلاد، مما ساهم في انتشار الفئوية والنظرة الفوقية، وكان برأيهما سبباً في العنف ضد بعض الفئات؛ كالمرأة، والعمالة المنزلية التي أخذت طابعاً «عبودياً» في الكويت، في بعض الأحيان، وهو أمر لا يتلاءم مع الطبيعة الإنسانية وسماحة الدين الإسلامي.
واستعرض البغلي والرديني أنشطة المنظمة التي أنشئت في 2012، وحققت إنجازات عدة عبر مبادرات هدفت إلى تعزيز مفاهيم؛ كالتسامح والتعايش السلمي، وكيفية التعامل مع مختلف الاضطرابات النفسية، وذهبت إلى أبعد من ذلك حيث قامت من خلال مبادرة «رف» بتوفير الكتب للفئة المنسية، وهم السجناء والمحتجزون، إضافة إلى مشاركتها في إعداد تقارير حول الوضع الإنساني في الكويت، تقدم إلى الأمم المتحدة.
وفي ما يلي نص اللقاء:

● ما أهداف وطبيعة عمل منظمة الخط الإنساني؟
ــــ الرديني: المنظمة مؤسسة مدنية كويتية تأسست عام 2012، تترأسها مها البرجس، وتهدف إلى النهوض بحقوق الإنسان الكويتية، وتتابع قضايا المرأة، الطفل، العمالة الوافدة والمنزلية، المصابين بالاضطرابات النفسية، وغير المحددي الجنسية، عبر رصد الحالات الإنسانية في الكويت وأعداد التقارير الحولية تقدم إلى اللجان المختصة في الأمم المتحدة، كما تقدم المنظمة دورات متخصصة في حقوق الإنسان بشكل مجاني للجميع؛ بهدف رفع الوعي الحقوقي.

24 عضواً
● كم عضواً منضمّاً إلى المنظمة؟ وما آلية الانضمام إليها؟
ـــ الرديني: ينضم إلى المنظمة أكثر من 24 عضوا رسميا، إلى جانب أعداد كبيرة من المتطوعين ينشطون في مختلف المبادرات، أما آلية الانضمام كمتطوع فتشترط اجتياز دورة مبادئ حقوق الإنسان، ويحتاج المتطوع إلى اجتياز الدورات المتخصصة والعمل في مختلف المبادرات والمشاركة في إعداد التقارير، ليصبح عضوا رسميا.

● ما أبرز مبادرات المنظمة؟ والهدف منها؟
ــ البغلي: للمنظمة كثير من المبادرات، أبرزها حملة «تقبل»، وهي مبادرة للتوعية بالصحة النفسية، بالتعاون مع وزارة الصحة، وتتضمن أنشطة وفعاليات توعوية عدة لتغيّر نظرة المجتمع للاضطرابات النفسية وتأهليهم للتعامل معها.
والمبادرة الأخرى هي «تسامح» لتعزيز مفهوم احترام الاختلاف والتعايش السلمي، عبر تقديم دورات لفئة الشباب بالتحديد، ومبادرة «رف» لإثراء المكتبات في السجون ودور الرعاية والمستشفيات، ومبادرة أخرى قيد الإعداد، وهي «سقف واحد»، لتعزيز مفهوم احترام العامل المنزلي والتعريف بحقوقه.

مكتبة السجون
 ● ما قصة «رف»؟
ــــ الرديني: هي مبادرة لإثراء المكتبات التي لا يملك أصحابها إمكانية شراء الكتب، كمتبات السجون، دور الرعاية، وبعض المستشفيات، ومن هذا المنطلق قامت المنظمة بالتعاون مع جمعية العمل الاجتماعي، بتوفير أكثر من 7 آلاف كتاب بمختلف المواضيع واللغات؛ كالإنكليزية، الفرنسية، الأسبانية، الهندية، الفارسية، والأردو، وبالتأكيد العربية، ووزعت الكتب في 4 مكتبات تابعة للسجون، التي لم تكن تملك سوى بعض الكتب الدينية، من دون وجود أي خيار ثانٍ للقراءة.

● كيف رصدتم رد فعل السجناء عند وصول الكتب إليهم؟
ــــ البغلي: كان حدثاً كبيراً بالنسبة إلى السجناء، فهم منفصلون عن العالم، يعيشون عزلة قاسية، وصلت إليهم في الخارج، تتمثل في الصحف اليومية التي تصل إليهم والتلفزيون العام، ولذلك كانت المكتبات بمنزلة فتح عالم جديد أمام المهتمين منهم، وبدت الفرحة الكبيرة على وجوههم، في حال وصول الكتب.

مقيم غير شرعي
● ما تقييمكم لقضية «البدون» في الكويت؟
ــــ البغلي: يمكن اعتبار قانون العمل من أبرز التحديات التي تواجه هذه الفئة، حيث إنه لا يحميهم، ولذلك لا يوجد حد أدنى للراتب، لا إجازات، لا نهاية خدمة، ويعمل غالبيتهم بعقد «أجر مقابل عمل»، الأمر الذي يسهل استغلالهم من قبل أصحاب العمل، كما لا يمكن للدولة توظيفهم كالوافد بسبب المسمى.
وكمنظمة الخط الإنساني نطالب، بتغيير مسمى «مقيم بصورة غير شرعية»، إلى مسمى آخر يفتح الباب أمام وضع تشريعات خاصة، تكفل لهم الحد الأدنى من الحقوق في مجال العمل، لأن المسمى الأخير وضعهم في ذات الكفة مع من انتهت إقاماتهم، أو وصلوا إلى الكويت بطريقة غير قانونية، وهي مقارنة غير منصفة في أن تضع شخصا يعمل في الجيش الكويتي، مع آخر انتهت إقامته، وأصبح مخالفاً!

العمالة الوافدة
● قضية الوافدين، أصبحت تأخذ منحى سلبياً وعنصرياً أحياناً، بحجة «خلل التركيبة السكانية»، فما رأيكم في التصريحات والتوجّهات الأخيرة؟
ــــ الرديني: إن الفصل بين المقيمين والمواطنين في المدارس بسبب زيادة الأعداد وارتفاع التكلفة على الدولة، كان بداية الانعزال والانغلاق في المجتمع الكويتي، فنتج عنها ثقافة «نحن» و«هم»، كما توسّع خطاب الكراهية، الذي يجد له تأييداً بين العامة للأسف، فأصبح من السهل تجاهل «إنسانية» شخص بسبب جنسيته.
ولذلك، نشهد مطالبات مستمرة بالعزل «مدارسنا ومدارسهم»، «مستشفياتنا ومستشفياتهم»، «مناطقنا ومناطقهم»، علماً بأن هذا الفكر الانعزالي ينتقل إلى المجتمع الكويتي نفسه، ويعزز الفئوية على حسب المذهب أو العائلة والعرق، غافلين عن التبعات الاجتماعية الخطيرة لهذا النوع من الفكر.
من هذا المنطلق، وتعزيزاً لمبدأ تقبّل الآخر ومعايشة الاختلاف الثقافي في الكويت، نخصص برنامج «تسامح» للشباب من سن 14 وحتى 18، دورات خاصة للتعريف بحقوق الإنسان واحترام الاختلاف.

● كيف يمكن حل أزمة «الوافدين» بطريقة تحفظ حقوقهم الإنسانية، وتضمن مصلحة البلاد؟
ــــ البغلي: أساس مشكلة «الوافدين» اقتصادية، فبسبب النظام الريعي في الكويت لا توجد ضرائب، وبالتالي يتم دعم خدمات من قبل الدولة، ويشمل ذلك كل السكان، وهذا الدعم هو سبب النزاع، لكن من غير المقبول أن يتحمل الوافد براتبه المحدود تكلفة الخدمات كاملة، خاصة أن نصف رواتبهم تذهب على الإيجارات، ولذلك يجب على أصحاب العمل الذين يستقدمون هذه العمالة دفع دعم الخدمات الذي توفره الدولة، لضمان حق العامل ومصلحة الكويت.
وتابع: إن قوانين الكويت سيئة في تنظيم العمالة الوافدة، حيث تعطي صاحب العمل قوة كبيرة، مما يتيح إمكانية إساءة استغلال القوة القانونية الممنوحة له، ويمكن اعتبار بعضها اتِّجاراً بالبشر، الأمر الذي ساهم في انتشار ثقافة أفضلية «المواطن» على «الوافد».

وضع الخدم
● بالنسبة للعمالة المنزلية، كيف تقيمون وضعها في الكويت؟
ــــ الرديني: في المجتمع الكويتي هناك من ينظر إلى الجنسيات الأخرى بنظرة الدونية والعمالة المنزلية في أسفل السلم وفقاً لهذه النظرة، ونجد تبعات من «العبودية» تطبق على البعض من العمالة المنزلية، حيث يظن بعض أصحاب العمل أن لهم الحق بالتحكم في كل تفاصيل حياة العامل من أكله ونومه، وحتى حقه بالخروج من المنزل ولبس الثياب، كما يحق لهم تحقيره والاعتداء عليه بالضرب إن لزم الأمر، متناسين أنهم يقومون بوظيفة حالها حال الوظائف الأخرى، لها حقوق وعليها واجبات.
ــــ البغلي: تم رصد حالات بحبس حرية عمال المنازل، والتي تعتبر جناية وعقوبتها السجن، إلا أنه لم تسجل حتى قضية واحدة ضد مواطن حبس عاملاً منزلياً، ووجدنا أن الجهات المختصة لم تكن راغبة بتسجيل هذه القضايا في بعض الحالات، كما أن هروب العامل وتقديمه لشكوى، تقابله شكوى من صاحب العمل على العامل بالسرقة، فإن تنازل العامل عن قضية « حبسه» يتنازل الأخير عن تهمة السرقة، ينتهي الأمر في أن يخسر العامل حقه وعمله !

الصورة النمطية للمرأة
● ما التحديات الحقوقية التي تواجه المرأة الكويتية؟
ــــ الرديني: %90 من المناهج الدراسية الكويتية تنشر صورة نمطية للمرأة تتمحور ملامحها في طاعتها للرجل، وأن مكانها المنزل والمطبخ ورعاية الأولاد، وهو أمر غير منصف، حيث إنها شريك مهم في ساحات العمل أيضاً، بدورنا طالبنا مراراً بتغيير هذه المناهج، إلا أنها لم تتغير وسقطت وزارة التربية بأخطاء أخرى في المناهج الجديدة والتي استعانت فيها الوزارة بالبنك الدولي رغم أننا تمنينا أن يكون التعاون مع اليونيسف أو المفوضية السامية لحقوق الإنسان، كان سيكون أفضل بالنسبة للمناهج.
ومن جهة أخرى، ما زال زواج القاصرات تحت سن 18 موجودا في الكويت وهو قانوني، كما «يصح عقد الفتاة منذ البلوغ»، أي يمكن أن تتزوج الفتاة في 9 سنوات بصورة شرعية إلا أن العقد يوثق بعد السن 15، الأمر الذي يضع حقوقها على المحك في حال حصول طلاق أو حمل، حيث ستحتاج إلى إثبات زواج أولاً، فضلاً عن أنها تُفصل من المدرسة وتحول إلى دراسة مسائية إن سمح لها الزوج في استكمال دراستها.
كما تتعرض المرأة إلى التمييز في قانون الجنسية والسكن، رغم أن الدستور لا يجيز التمييز بين الرجل والمرأة على أساس الجنس وتعاني المرأة الكويتية المتزوجة بغير كويتي نقصاً أكبر في الحقوق.

25 خادمة قُتِلنَ و3 أثيوبيات قتلن موطنات!
بعد انتشار عدد من جرائم قتل، ظهرت علامات خوف من الجنسية الاثيوبية وأصبحنا نرتعد من رؤيتهن، خوفاً من أن نكون ضحايا أطوارهن الغريبة، إلا أنه يبدو علينا إعادة النظر في الأمر، حيث كشفت أرقام رصدتها منظمة الخط الانساني عن ان 25 خادمة أثيوبية قتلن على يد مخدوميهم، بينما 3 مواطنات كن ضحايا لهذه الجنسية.
وأكد طاهر البغلي ان اعداد جرائم القتل التي ترتكب من قبل أصحاب العمل بحق العمالة المنزلية، تفوق عدد الجرائم التي ترتكبها العمالة بحق أصحاب عملها، الا ان الأولى لا تأخذ صدى في الأوساط العامة، بينما تفزع للأخيرة، وكأن هناك أرواحا أثمن من أخرى!

إحصائيات «العدل».. لا تذكر الضحية
لفت طاهر البغلي إلى أن إحصائيات وزارة العدل تأتي على حسب نوع الجريمة إن كان «ضرب، قتل، سب وقذف»، ونوع الحكم «سجن أو غرامة»، فتعتمد في تصنيفها على «الجاني» دون ذكر للضحية، أي تصنيف التقسيم على أساس الجاني وليس على أساس الضحية، فالضحية لا تذكر في الاحصائيات، الأمر الذي لا يساعدنا في رصد الفئات المعرضة للعنف وتقييم مدى تفاقم المشكلات الاجتماعية في الكويت.

«العاطلات» أكثر عرضة للعنف
شددت لولوة الرديني على ضرورة تخصيص أماكن للنساء اللاتي يتعرضن إلى عنف مستمر من قبل أزواجهن أو أولياء الأمور، معتبرة أن العاطلات عن العمل أو ذوات الدخل المحدود هن الاكثر عرضة للعنف، حيث لا تملك بعضهن مكانا للذهاب اليه، وفي حال التقدم بشكوى يتعرضن الى عنف اكبر، حيث يضطررن الى العودة الى المنزل ذاته الذي عنفن فيه.

التحرش في بيئة العمل
أشار البغلي الى أن القانون الجنائي يجرم التحرش في بيئة العمل، ويبقى الوضع الاداري بالنسبة للمرأة التي تتعرض الى تحرش على ما هو عليه، وتأخذ القضية مجراها لنحو 3 سنوات، لتتخذ بعد هذه المدة الطويلة الإجراءات إن استطاعت إثبات التحرش.
وطالب بضرورة وجود اجراءات وتحرك فوري يضمن حقوق المرأة في بيئة العمل وعدم انتظار سنوات لإنصافها.

الصحة النفسية
نددت الرديني بغياب قانون ينظم عملية دخول المريض وخروجه من مركز الكويت للصحة النفسية، حيث يحتجز العديد من الاشخاص لاسباب اجتماعية أو مشاكل وراثية، لسنوات أو لمدى الحياة في بعض الحياة، عادة يقوم أحد الأهالي بإدخال الشخص الى المركز الذي لا يستطيع الخروج منه إلا بتوقيع ذات الشخص الذي أدخله، من دون تشخيص للحالة أو وضع خطة علاج حتى.

«جرائم الشرف».. فرنسية وليست إسلامية
ذكر البغلي أن الرجل الذي يقتل زوجته لاشتباهه في خيانة الزوجة له، يحصل على عقوبة مخفضة، ويتحول الامر من جناية الى جنحة.
وأوضح أن أصل هذا القانون فرنسي في عهد نابليون، انتقل الى مصر ثم الكويت، وتم إيقافه في دول العالم، واستمر في دولنا، ولا يوجد في الشريعة الإسلامية ما يجيز القتل الا عبر سلطة قانونية، مطالباً بإعادة النظر في هذا القانون الذي يعرض النساء في الكثير من الحالات الى الظلم.

«أمشيهم على مزاجي»
وفقاً لقوانين حقوق الإنسان لا يحق لأصحاب العمل فرض لبس خاص بالعاملات خارج المنزل، حيث يعتبر أنها ترافق ساعة العمل، وليست في بيئة العمل، إلا أن البعض يفرضون عليهن لباسا خاصا للقول: «لدي خادمات.. وأنا أمشيهم على مزاجي»!

نظام الارشفة الالكترونية