المغرب: تفاهة السياسة – اليوم 24

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

هناك شيء عفن في السياسة. لكن من الضروري القول إن التعويل على السياسيين لإحداث فرق ليس سوى وهم غليظ. لقد جُربت الوصفة نفسها مرارا، وفي كل مرة، نحصل علىالنتائج نفسها. ينساق السياسيون إلى نظام التفاهة مثل أي فراش تغريه الأضواء الكاشفة. لا يبدو أن المصير النهائي يدعو إلى القلق. لقد أرهقتني الكلمات بالفعل، فيما أشعربنفسي واحدا من أولئك الحمقى الذين لا يكفون عن تحديث شيء مصنوع بشكل واضح بطريقة غريبة. كنت قد كتبت في الماضي أن الشعبوية فن، غير أن الكثير من السياسيين يحولونها إلى مرض مستعص. لقد رأينا المشاهد التمثيلية في مجلس النواب، في إطار المناقشات حولالمادة 9 من مشروع القانون المالي. كانت الأحزاب تبدو مبعثرة، وفرقها منفلتة العقال، ولم يكن هنالك موقف محدد ونهائي. يحاول البعض، في حالات مفككة من الوجهة السياسية،تصوير أنفسهم وكأنهم أعضاء في الحزب الجمهوري يعارضون مشروعا رئاسيا. تقمص فكاهي لدور سيناتور جدير بالوقار والهيبة. كيانات سياسية غير جديرة بالاحترام تتصرف مثل جماعة من القتلة التائبين، يرفعون الإبهام إلى أعلى في غرفة، ويخفضونه إلى أسفل في غرفة ثانية.لحسن الحظ أن الناس، بشكل عام، غير مبالين بما يحدث. البرلمانيونأنفسهم تحولوا إلى نوع من التفاهة المنتشرة على الشبكات الاجتماعية. لن يضرك في شيء ألا تلقي إليها بالا. تستمر في تصفح أشياء أخرى أقل أهمية، أو أكثر تفاهة. لا يهم.إن السقوط المدوي للسياسيين في نظام التفاهة –وأقتبس هذه العبارة من الفيلسوف ألان دونو على كل حال وقد أصبحت شائعة– ليس سوى الانعكاس القبيح لمرآة مضللة. مثل تلك المرآة في قصة الأطفال، حيث تصور لمالكها أشياء ليست على ما هي عليه؛ نوع من السحر الأخاذ، وهو يتحول إلى كابوس للجميع.لا تتطور مواقف الكيانات السياسية بمجرد نقل مشروع قانون من غرفة إلى غرفة. هذه حكاية خرافية، لكن حزب العدالة والتنمية أثبت أن بعض الدجل السياسي يمكن أن يصبح واقعا مجملا. وباسم ماذا؟ مصلحة ظهرت لحفنة من المستشارين البرلمانيين، لكنها فاتت على ما يبدو جيشا من النواب البرلمانيين. وكم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة فقط بالعناد. بقدر معارضتنا التأثيرات السياسية للمادة 9، فإن المناقشات التي انطلقت بسرعة بمجرد مصادقة مجلس النواب على المشروع، توحي بأن مجلس المستشارين لم يفعل سوى ما يجب عليه أن يفعله؛ الرضوخ لجهات الضغط وتجمعات المصالح. ولحسن الحظ، لا يملك مجلس المستشارين تلك السلطة التامة لكي يفعل ما يريد.في المجلس الحكومي حدث ما هو مشابه؛ وزيران يتصادمان حول تفسير المادة 9. لا يحدث ذلك دوما، لاسيما إن كان القانون المعني قد صودق عليه في مجلس النواب. هذهالمناقشات ما بين الشوطين تثير الشكوك فحسب. المشهد مسرحي، لا ريب في ذلك. فأن يتخاصم وزيران بشكل متأخر حول مادة في مشروع قانون أساس كالقانون المالي، فيمايكتفي رئيسهما –رئيس الحكومة نفسه– بالحملقة في وجهيهما، لعمري هي لقطات من شريط فكاهي. يحق للحكومة أن تغير رأيها في قانون إن كان مجلس النواب لا ينوي أن يجيزه،لكن أن تشعر بها وهي تتذبذب بعدما قرر نواب الحزب الأغلبي أن يعارضوه في الغرفة الثانية، فإن للقصة، على ما يظهر، كواليس عجيبة.وعلى كل حال، فقد كنا شهودا على تفاهة موقف، حيث نوقش ما هو هامشي بدلا مما هو مركزي. إنني لا أفهم، من حيث المبدأ، ما تفعله مادة مثل هذه في قانون مرحلي زائلبمضي عامه. حُق للناس أن يشكوا في حث الحكومة، بشكل متتال، على حشر بند تحدده القواعد العامة للقانون في قانون خاص. على السلطات الحكومية ألا تعاملنا كأغبياء؛ إذاكانت ترغب في المادة 9، فإن على معاونيها القانونيين أن يرحلوها إلى القانون المدني على سبيل المثال. لا شيء تفعله مادة كهذه في قانون سنوي.لكننا لم نسمع مثل هذه المناقشات، ونجح السياسيون في جرنا إلى لعبة المحامين الحذقين، وهم البارعون في الدفاع عن حقوقهم أكثر من ترافعهم عن حقوق موكليهم على كل حال. كنا شهودا على نقاش مزيف في نهاية المطاف. لكن، من الواضح أن السياسيين والمحترفين الآخرين لمثل هذه الألعاب لم يرقهم شيء أكثر من عدم إزعاجهم برأي أحد ذي هيبة. كانتحيلة بسيطة وقد انطلت على الجميع.وعلى كل حال، يمكن أن ننخدع لكل شيء تقريبا، مثلما فعلنا يوم قرر حزب الحركة الشعبية أن يناقش الحريات الفردية باسم الليبرالية الموجهة من «فوق». لقد كان محمد أوزينالأدق في التعبير وهو يعلن أن الحركة الشعبية، بوصفها حزبا ليبراليا، لديها موقف وسط. هذا بالضبط ما تعنيه عبارة نظام التفاهة كما صكها ألان دونو.وهي أيضا كل ما تعنيه الولائم المائة لحزب التجمع الوطني للأحرار. حزب ليبرالي يستطيع أن يحشد بإغواء البطن أكثر مما يفعله أي مفكر عاقل. لا أحد يستطيع أن يناقش شيئا عنالليبرالية في حزب يسعى أيضا كما يقول عضوه، محمد أوجار، إلى أن يكون وسطا في كل شيء. ما يهم هو قول الرئيس.. الرجل الصاروخ.الوسط، عادة، أن تزم شفتيك، وتنتظر موعد المأدبة. نصف موقف، ونصف رأي، ونصف كلمة، ثم القيام بدورة كاملة والبدء من جديد. وفي العادة، يربح الانتخابات من هم على هذاالنحو.



تاريخ النشر: 2019-12-05 20:00:05

الناشر/الكاتب: منير ابو المعالي

اليوم 24 – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية