المغرب: مرافعة مثيرة لتوفيق بوعشرين تكشف الوجه الحقيقي للواقفين وراء متابعته

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

“أنا صحافي اختار خطا في التحرير والكتابة يروم البحث عن الحقيقة وعرضها، أي ما يسمى بالصحافة الاستقصائية، وهي مهنة متاعب كبيرة، تجلب لصاحبها أعداء وخصوما ومناوئين، بقدر ما تجدب متعاطفين وأصدقاء ومحبين”.. بهاته العبارة استهل توفيق بوعشرين مؤسس “أخبار اليوم” و”اليوم 24″ مرافعته في الملف المعروض أمام محكمة الاستئناف بالدار البيضاء، أول أمس الثلاثاء، والمتابع فيه بمجموعة من التهم أبرزها الاتجار بالبشر، مشددا على أن اعتقاله ومحاكمته لم تكن يوما بمعزل عن كونه صحافيا شكل إزعاجا كبيرا حتى لمسؤولين خارج المغرب، موضحا للمحكمة أنه لا يطالب بحصانة قانونية على أفعال يجرمها القانون، ولا يختبئ خلف مهنته ليفلت من العقاب، بل يطلب الانتباه إلى مخاطر مهنته وتداعياتها.
وأوضح في توطئة مرافعته أنه كصحافي تعرض لعدة متابعات عن طريق قانون الصحافة، غير أنه بعد إزالة العقوبات السالبة للحرية وتعويضها بالغرامات المالية، يجد الصحافي نفسه مباشرة أمام قضايا الحق العام، مشددا على أنه ليس لوحده من وقع ضحية ذلك، بل هناك آخرون ضمنهم هاجر الريسوني التي تشتغل بالجريدة التي أسسها، وتتابع بتهمة محاولة الإجهاض، مشيرا في هذا الصدد إلى أن النيابة العامة أصبحت في حل من الرقابة، وهو ما دفعه إلى مطالبة القاضي ببسط رقابته في الشكل والجوهر. مذكرا أنه مارس الصحافة لأزيد من 22 سنة، وخاض تجارب كلها ناجحة، وراكم العديد من الخصومات سواء من طرف السلطة أو الأحزاب، مشيرا إلى أن عددا كبيرا من المحامين المنتمين للاتحاد الاشتراكي نصبوا أنفسهم ضده في الملف المعروض 
حاليا أمام القضاء.
12 فبراير
كشف بوعشرين أنه منذ 19 شهرا وهو معتقل، وبيده قرار أممي يخلص إلى أنه معتقل تعسفيا، وأنه بغض النظر عن قرار المحكمة في رفع الاعتقال التعسفي، فقد تقدم دفاعه بطلب ثان بالسراح المؤقت لتدارك الأمر، لأن تأجيل البت في القرار الأممي يحتمل الموافقة كما يحتمل الرفض، قبل أن يعرج على مناقشة الملف منطلقا من تساؤله حول سر تزامن 3 شكايات في 10 أيام رغم تباعد الوقائع، متعهدا المحكمة بشرح أسباب نزول هذا الملف.
واختار بوعشرين طرح موضوعه وفق تسلسل كرونولوجي للأحداث، انطلاقا من يوم 12 فبراير، وهو تاريخ وضع أول شكاية مجهولة، والذي تزامن مع صدور حكم قضائي لصالح وزير الفلاحة عزيز أخنوش، ووزير المالية محمد بوسعيد، بعد أن قضت المحكمة بتغريمه 240 ألف درهم لأخنوش و200 ألف درهم لبوسعيد، في وقضية طالب فيها الطرفان بمليار سنتيم، في تهمة تتعلق بنشر خبر صحيح يتعلق بقانون المالية، وأدرج المقال مصحوبا بتصريح رئيس الحكومة، مبرزا أن الجريدة أجرت تحقيقا في الموضوع وأجرت اتصالاتها بكافة الأطراف، مؤكدا صحة الوقائع الواردة في المقال، ورغم ذلك فقد قضت المحكمة في ما بعد برفع القيمة المالية المحكوم بها ضده إلى 700 ألف درهم، دون استدعائه للمثول أمام المحكمة وتقديم إفادته.
18 فبراير
أوضح بوعشرين أثناء مرافعته التي واصلها أمام هيئة الحكم برئاسة القاضي لحسن الطلفي، أن (ن.ل) وضعت شكايتها في 18 فبراير، تتعلق بالاغتصاب، الذي مرت عليه 6 أشهر دون دليل أو شهادة طبية أو شهود، ولم تحدد بالضبط تاريخ اغتصابها المفترض، وأنها خلال الاستماع إليها من طرف الضابطة القضائية صرحت أن الاغتصاب كان في شهر أكتوبر، وترددت كثيرا في تحديد دقيق للتاريخ خوفا من أن يتم كشف الأمر وتفنيد ادعائها، خصوصا وأنه كان في أكتوبر في الولايات المتحدة الأمريكية، متهما (ن.ل) بالتواطؤ مع الشرطة لإخفاء التاريخ.
واستغرب مؤسس “أخبار اليوم” و”اليوم 24″ للتعليلات الواردة في الحكم الابتدائي في القضية، رغم أن القانون بحر كبير، والمحكمة تبني قناعاتها، غير أن الأمر يتعلق بوقائع مختلفة تماما، موضحا أن (ن.ل) تشتغل في حزب سياسي، وفي ديوان وزير في حزب أخنوش، متسائلا كيف لشخص يغتصب سيدة وتطلب منه نشر أخبار تخص الوزارة التي تشتغل في ديوانها في جريدته بعد أيام من تعرضها للاغتصاب، مع العلم أن هناك أزيد من 20 جريدة و560 موقعا إخباريا في المغرب، ثم تطلب منه أيضا مبلغا ماليا بـ1400 درهم لأنها لم تجد ما تسدد به فاتورة الفندق، موضحا للمحكمة كيف أن النيابة العامة تشدد في حوادث الاغتصاب، وتسلك مساطر قوية، خصوصا في حالات انعدام الأدلة، غير أنه في حالته التي اعتبرها أول حالة في المغرب تتابع بجريمة “الاتجار بالبشر”، فإن الشرطة القضائية حرمته من المواجهة مع (ن.ح)، والنيابة العامة رفضت مجموعة من الأسئلة الموجهة لها، وكأنها تحميها، مستخلصا أن (ن.ح) بوضعها للشكاية الثانية والشكاية الثالثة لـ(خ.ج) ضده كانت طعما للإيقاع به وأرنب سباق في قضيته، وبالتالي فبالطريقة التي تمت بها فبركة ملفه كانت النتيجة أخطر بحكم قضى بإدانته بـ12 سنة.
22 فبراير
واصل بوعشرين تفاصيل التواريخ التي سردها، موضحا أن (خ.ج) التي لا رابط منطقي لها بباقي المشتكيات، وضعت شكايتها في 22 فبراير، علما أنه عمليا ليس هناك رابط بين الشكايات الثلاث، مؤكدا أن المشتكيات لم يظهرن في أي من أشرطة الفيديو، بينما تواجدت من لم يشتكين، مؤكدا أن خلود التي تقدمت ضده بشكاية لم تتواجد في أي شريط فيديو، وأن لها خصومة معه، وأدلى دفاعه للمحكمة بإنذارات وجهت لها بسبب اختلالات في العمل وسوء تصرف مع بعض زملائها، ومع ذلك فالمحكمة لم تأخذ بذلك وأخذت بأقوالها.
وعاد بوعشرين بالوقائع إلى بداية شهر فبراير، حيث وضع سفير السعودية بالمغرب لدى وزارة الخارجية شكاية على مقال انتقد فيه ولي العقد السعودي، والدليل على ذلك عقد ندوة صحافية تضمنت دعوة الصحافيين المغاربة إلى توقير السعودية، مشيرا إلى أنه توصل فيما بعد برسالة من سعودي مقيم بالولايات المتحدة الأمريكية، مفادها أن السعودية مستاءة منه، وطالبه بأخذ حيطته وحذره، مؤكدا أن الرسالة تلقاها من الصحافي جمال خاشقجي، وهي موجودة لدى المقررة الأممية المكلفة بالإعدامات خارج القانون، وهو ما جعله يطلب من المحكمة في مرحلتها الابتدائية الاطلاع على الهاتف قبل أن توافق ثم تتراجع وتمتنع عن قرارها.
20 فبراير
واصل بوعشرين مرافعته القوية، موضحا أنه تلقى في 20 فبراير، رسالة عبر تطبيق “واتساب” من (ح.ط) الذي كان آنذاك ضمن كتاب الرأي بالجريدة، والتي توصل بها بدوره من صديق له، يخبره بضرورة تحذيره من الشرطة، موضحا أنه يتربصون به في الجريدة، ويفبركون له أشرطة، ويخططون لاقتحام مقر الجريدة، وطلب منه نشر الخبر، مضيفا أن إصرار (ح.ط) على أهمية الرسالة، فقد اتصل به هاتفيا واستفسره هل قرأ الرسالة، ليجيبه بالإيجاب، غير أنه لم ينشر الرسالة لأنه كان مقتنعا أنه لا يمكن أن يقع مثل هذا الأمر في بلد كالمغرب.
الحدث دفع بوعشرين، حسب مرافعته، إلى مطالبة المحكمة أثناء المرحلة الابتدائية بالاطلاع عليها، غير أن النيابة العامة عارضت ذلك، متسائلا حول الإصرار على الرفض، وهل له علاقة بالخوف من ظهور الحقيقة، مؤكدا أن ما حصل كله كان تحت غطاء النيابة العامة، مجددا مطلبه للنيابة العامة ببسط يدها على الملف لأنه يتضمن خروقات فضيعة.
23 فبراير
دخل بوعشرين في تفاصيل يوم اعتقاله، محللا أمام اندهاش المحكمة وممثل النيابة العامة ودفاع الطرف المدني، كل تفاصيل العملية التي استغرقت 45 دقيقة، وانتهت باعتقاله تعسفيا، بعد رفض اصطحابه سيارته وتجريده من هواتفه، وصولا إلى استصدار الأمر بوضعه تحت الحراسة النظرية، وتفريغ الأشرطة، ووقف على كل التفاصيل لحظة بلحظة مدعما بتحليل منطقي للأحداث، وخلص إلى أن كل ما وقع استعملت فيه كل الوسائل للزج به في السجن، وهو ما جعل من يدفعون بذلك إلى الوقوع في أخطاء فضيعة وكبيرة يستحيل على النيابة العامة أن تقع فيها، لكن السرعة في معالجة الوضع جعلتهم يهملون تفاصيل دقيقة جدا من شأنها إثارة أسئلة كبيرة في الملف حول الشكل قبل الموضوع.
وفصل بوعشرين كيف قدم 40 شرطيا وكيف كانوا يعتقدون أن الجريدة مليئة بالصحافيين قبل أن يتفاجؤوا بعدد قليل، وهو ما يفسر وجود 40 شرطيا لإلهاء الجميع، وأيضا الخطأ المسطري في الأمر بالاعتقال، قبل البحث عن سبب الاعتقال، وكيف أن الأجهزة تم حجزها دون أخذ البصمات وتدوين الرقم التسلسلي، ولا حتى معرفة محتوياتها، دون تفتيش المكاتب الأخرى داخل المؤسسة، معرجا على تفريغ الأشرطة في 12 ساعة، علما أن مدتها 15 ساعة و3 دقائق، مبرزا تواطؤ النيابة العامة في التشهير به عن طريق إصدار بلاغات 4 تم تمريرها في القنوات العمومية باسمه وصورته ضاربة بذلك عرض الحائط تعليمات “الهاكا”، إضافة إلى إخفاء معلومات كان من شأنها أن تحيل الملف أمام قاضي التحقيق، وغرضها هو تحويله مباشرة لجلسة المحاكمات، وترهيب المصرحات وتخويفهن عن طريق التضييق على عفاف برناني وآمال هواري التي برأتاه، مؤكدا أن النيابة العامة خرقت قواعد التكييف وسلطة الملاءمة. واصفا القضية برمتها كمن يوجه صاروخا لإبادة باعوضة “ناموسة”، وأنه كمن ألقي به في البحر مكبل اليدين وطلبوا منه ألا يبتل.



تاريخ النشر: 2019-09-20 11:21:04

الناشر/الكاتب: عبد الوهاب بارع

اليوم 24 – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية