في العمق : السيدة الجليلة مواقف مضيئة ترفع سقف الأمان النفسي والفكري والتنموي للمواطن

عُمان: في العمق: لماذا تنشيط المبادرات التوعوية حول الثقافة القانونية للمواطن فـي هذه المرحلة ضرورة؟

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

انطلاقًا من خِطاب جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم ـ حفظه الله ورعاه ـ في الثالث والعشرين من فبراير من عام 2020 والذي جاء فيه «ومن أجْل توفير الأسباب الداعمة؛ لتحقيق أهدافنا المستقبليَّة فإنَّنا عازمون على اتِّخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة، وتحديث منظومة التشريعات والقوانين وآليَّات وبرامج العمل وإعلاء قِيَمه ومبادئه وتبنِّي أحدث أساليبه» وتحقيقًا لأولويَّات رؤية «عُمان 2040» في محور التشريع والقضاء والرقابة، والهدف «مُجتمع واعٍ قانونيًّا ومشارك بفاعليَّة في التشريع والرقابة»، انطلقت سلطنة عُمان شاقَّة طريق التطوير والتحديث في الانتقال بسلطنة عُمان إلى المستقبل «وإنَّنا ماضون ـ بعون الله ـ على طريق البناء والتنمية، نواصل مَسيرة النهضة المباركة، كما أراد لها السُّلطان الراحل رحمه الله، مستشعرين حجم الأمانة وعظمتها»، تُعزِّزها همَّة القائد الحكيم المُجدِّد المُلهِم جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم في «إنَّ الانتقال بعُمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتَّى المجالات، سيكُونُ عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نُصب أعينِنا المصلحة العُليا للوطن، مسخِّرين له كافَّة أسباب الدعم والتمكين» لذلك اتَّخذت جهود تطوير القوانين والأنظمة واللوائح لتتواكب مع التحوُّلات الحاصلة في مختلف المجالات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة والإداريَّة والاجتماعيَّة والتعليميَّة والثقافيَّة وغيرها، إيمانًا بما تُمثِّله هذه القوانين من قيمة مضافة في تحقيق وتناغم مع أولويَّات ومستهدفات رؤية «عُمان 2040» ومعالجة التحدِّيات التي تواجه المنظومات المُجتمعيَّة المختلفة، إنَّما يكمن في إحدى أولويَّاته في إيجاد قوانين وتشريعات وأنظمة وآليَّات عمل مُتجدِّدة تستوعب الأحدث وتنشط في التعاطي مع المستجدَّات وتتكيف مع الظروف والمتغيِّرات، وتستفيد من التحوُّلات والفرص، وتتفاعل مع أبجديَّات التطوير في الفكر الإنساني وثقافة المواطن، بالشكل الذي يُعزِّز من قدرتها على تحقيق المرونة والأصالة والكفاءة والإنتاجيَّة والسلاسة والاحتواء، وسرعة الاستجابة والإجابة عمَّا يطرحه الواقع من مستجدَّات أو يمليه من ظروف وأحداث، لذلك جاء التأكيد بعد إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة وترشيق الهياكل التنظيميَّة للمؤسَّسات، على الاهتمام بدراسة وتطوير وتحليل وتشخيص واقع القوانين بدءًا بالأولويَّات التي ترتبط بالبدء بتنفيذ أولويَّات الرؤية، وبما يُعزِّز من إنتاجيَّة تلك القوانين والتشريعات في رسم معالم الطريق وتيسير الفرص وحفز الاقتصاد، وبناء القدرات وصناعة القدوات، والتوسيع في الخيارات الاقتصاديَّة والاستثماريَّة، وتأصيل قِيَم الابتكار والإنتاجيَّة والمهنيَّة، ومفاهيم الحوكمة والشفافيَّة والرقابة والمسؤوليَّة والنزاهة واللامركزيَّة وغيرها من المفاهيم التي طرحتها رؤية عُمان وباتت تُشكِّل جزءًا من العمل الوطني وأساسًا لانطلاقة حوار وطني في إطار الرؤية يتفاعل معه الجميع ويستوعبه الكُلُّ، فإنَّ البدء بتطوير وإعادة إنتاج ورسم معالم الطريق من خلال القوانين يؤكِّد الأساس الذي انطلقت منه عمليَّة البناء والتطوير في سلطنة عُمان وتحقيق رؤية السَّلطنة في دولة القانون والمؤسَّسات، وعَبْرَ سيادة القانون وتعزيز حضوره في مجريات الحياة واحترام قدسيَّته والتزام الكُلِّ بأحكامه وتنفيذ قواعده.
لقَدْ أنتجت الثلاث سنوات السابقة من عمر نهضة عُمان المتجدِّدة بقيادة حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظَّم الكثير من القوانين والتشريعات واللوائح والأنظمة والإجراءات الإداريَّة في مختلف المجالات الاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والثقافيَّة والتعليميَّة والإداريَّة والاستثمارات وسُوق العمل، وغير ذلك كثير من تفاصيل القوانين في هذه المجالات ممَّا لا يسع المجال لذكره، بدأت مع صدور النظام الأساسي للدولة بالمرسوم السُّلطاني (6/2021) وجملة القوانين التي استهدفت تحقيق أولويَّات رؤية «عُمان 2040»، تجسيدًا للوعد السَّامي بتحديث منظومة القوانين والتشريعات؛ على أنَّ صدور قانون الحماية الاجتماعيَّة بالمرسوم السُّلطاني (52/2023) ليرافق اكتمال البناء المؤسَّسي بالمرسوم السُّلطاني رقم (33/2021) في شأن أنظمة التقاعد والحماية الاجتماعيَّة، ثم المرسوم السُّلطاني (50/2023) بشأن نظام صندوق الحماية الاجتماعيَّة؛ وصندوق تقاعد الأجهزة العسكريَّة والأمنيَّة بالمرسوم السُّلطاني (51/2023)، وصدور قانون العمل بالمرسوم السُّلطاني (53/2023) وهي قوانين حملت على عاتقها جزءًا كبيرًا من تطوير المنظومة الاجتماعيَّة في سلطنة عُمان ومنظومة العمل، حيث ظلَّت حاضرة في اهتمام المواطن وأولويَّاته يتابع مستوى التطوُّر الحاصل فيها بشغف وترقُّب وانتظار منذ صدور الأمْرِ السَّامي بها، بما ترسمه من تحوُّلات في مَسيرة البناء الاجتماعي ومرحلة تأريخيَّة فاصلة في منظومة الحماية الاجتماعيَّة كأوَّل توجُّه ينحو إلى التكامليَّة والدمج، حيث تمَّ دمج (11) صندوقًا في صندوقَيْنِ تقاعديَّيْنِ، ناهيك عن اتِّساع الفئات المُجتمعيَّة التي شملتها منظومة الحماية لتشملَ فئات أخرى خارج منظومة الضمان الاجتماعي سابقًا لتشملَ فئات: منفعة كبار السِّن، ومنفعة الأطفال، ومنفعة الأشخاص ذوي الإعاقة، ومنفعة الأيتام والأرامل، ومنفعة دعم دخل الأُسرة؛ بالإضافة إلى البرامج التأمينيَّة في منظومة الحماية الاجتماعيَّة والتي شملت فروع التأمين الاجتماعي للفئات: كبار السِّن والعجز والوفاة، وإصابات العمل والأمراض المهنيَّة، والأمان الوظيفي، وإجازات الأمومة والأبوَّة، والإجازات المَرضيَّة والإجازات غير الاعتياديَّة، ونظام الادخار.
ونظرًا لِمَا يُمثِّله صدور قانون الحماية الاجتماعيَّة وقانون العمل من أهمِّية كبرى، وفي ظلِّ ما تضمَّنته هذه القوانين من تفاصيل دقيقة تهمُّ المواطن بالدرجة الأولى، وما يتطلبه استيعابه لها من جهود نوعيَّة تقوم عليها الجهات المختصَّة بالقانون والتشريع على المستوى الوطني أو كذلك على مستوى وحدات الجهاز الإداري للدولة في سبيل تعزيز وعي الموظف والمواطن بهذه القوانين والتشريعات وإدراكه بما تتضمنه من حقوق واستحقاقات ومنافع أو ما تتطلبه من التزامات وواجبات ومسؤوليَّات، ونظرًا لحجم هذه المهمَّة وتعدُّد مرتكزاتها تأتي أهمِّية التكامليَّة في هذا الدَّور والتفاعليَّة فيه لِتشملَ المبادرات المُجتمعيَّة والأهليَّة في نشْرِ الثقافة القانونيَّة والمعرفة الواعية بالقانون، في سبيل تعزيز الوعي القانوني ونشر ثقافة القانون في المُجتمع نظرًا لِمَا تضمَّنته هذه القوانين من أحكام وتفاصيل دقيقة في موادها، يحتاج فيها إلى المتخصِّصين وذوي الشَّأن لضمان استيعاب أحكامها وإدراك مقتضياتها، فيمتلك ثقافة قانونيَّة تؤهِّله للمطالبة بحقوقه والوقوف عِند مسؤوليَّاته وواجباته وإعادة إنتاج ذاته وتصحيح ممارساته، وأن يكُونَ مدركًا بجوانب التحوُّل التي جاءت بها هذه القوانين والتفاصيل الدقيقة التي يبني عليها اهتمامه بتحديث بياناته والاستفادة من المنافع النقديَّة أو البرامج التأمينيَّة وحقوقه الماليَّة، وسنّ التقاعد والاستقطاعات وغيرها ممَّا ورد في قانون الحماية الاجتماعيَّة، فيكُونُ على بَيِّنة من أمْرِه، قادر على امتلاك حدس التوقُّعات والتعامل مع الصدمات والتفاعل مع أحكام القانون بروح وطنيَّة راقية ومنهج إنساني يدرك ما يحمله القانون من ميزات تنافسيَّة وروح القانون التي تستهدف رعاية الإنسان والمحافظة على حقوقه ورفع درجة التوازنات النفسيَّة والفكريَّة لدى المواطن حَوْلَ المكاسب والفرص والمنافع المتحقِّقة من هذه القوانين، وفي الوقت نَفْسِه الحدُّ من سوء الفَهْم والتفسيرات الاجتهاديَّة التي باتت تُعطي مجالًا للتقوُّل على القانون، وتصحيح القناعات والأفكار السلبيَّة الناتجة عن الاجتهاد أو الإجابة غير التخصصيَّة من غير مفتي القانون والتي باتت تفسِّر القانون في إطار مصالح فئويَّة وشخصيَّة، فيظلُّ المواطن في حيرة من أمْرِه، غير قادر على الحصول على الإجابة الكافية حَوْلَ تساؤلاته التي يطرحها بشأن هذه القوانين.
من هنا يأتي التأكيد على أهمِّية تنشيط برامج التوعية والثقافة القانونيَّة في هذه المرحلة نظرًا لِمَا تشهده من قوانين عامَّة تهمُّ المواطن في سلوكه وحياته وممارساته اليوميَّة، وأن تنشطَ المبادرات المُجتمعيَّة في التوعية القانونيَّة لضمان وضوح مسار التوعية القانونيَّة وتدرُّجها والتزامها منهج التنوُّع واليُسر بالشكل الذي يُمكِن من خلاله فهْمُ أحكام القوانين ولائحتها التنفيذيَّة وتفعيل دَوْر الجمعيَّات واللجان التطوُّعيَّة بالقانون، مستفيدةً من وجود الشَّباب في المنصَّات الاجتماعيَّة طريقها لبلوغ التوعية أعلى مراتبها وأكثر المستهدفين والمخاطبَين بالقانون. إنَّ وحدة الجهود الداعمة للتوعية والتثقيف القانوني سوف تخلق ممارسة قانونيَّة واعية قائمة على معرفة يقينيَّة وفهْمٍ معمَّق ومعلومات قانونيَّة ينتجها ويتحدث بها أهل الاختصاص، بحيث تتَّجه فيها إلى الدخول في عُمق القانون والوقوف على أحكامه وتعريض المواطن لمواقف قانونيَّة أو أحكام بحاجة إلى قياس مستوى التصرُّف فيها أو التعاطي معها، وبالتَّالي ما يُمكِن أن تقدِّمَه هذه المبادرات من فرص ابتكاريَّة في عمليَّة التوعية والتثقيف تتناسب مع طبيعة المخاطبَين من جهة، وتتحوَّل من النمطيَّة المعتادة إلى الدخول في عُمق القانون وأحكامه واستنطاق مواقف معيَّنة في حياة المواطن، وتشخيص واقع القوانين في فِقه المواطن وجوانب النَّقص لدى المخاطبَين بالقوانين وموضع الإشكال فيه وأسبابه لِتتكوَّنَ لدى المواطن معرفه متكاملة واقعيَّة، وعَبْرَ الوقوف على قضايا المحاكم والادعاء العامِّ وغيرها كمدخل مهمٍّ في تحديد موضع القصور في الوعي بالقانون للمواطن لِتكُونَ عمليَّة التوعية مبنيَّةً على تشخيص ورصدٍ فعليٍّ لمستوى امتلاك المواطن لثقافة القانون.
أخيرًا، فإنَّ الثراء الناتج عن التطوير في التشريعات والقوانين، مساحة للتفكير خارج الصندوق لتنشيط حركه المعرفة القانونيَّة؛ فإنَّ الفرص التي يُمكِن أن تنتجَ من رفع سقف مبادرات التوعية القانونيَّة للمواطن عَبْرَ منصَّات التواصل الاجتماعي أو غيرها من وسائل نشْرِ المعرفة القانونيَّة بحيث يقوم على إدارتها وبرامجها التعليميَّة والتدريبيَّة والتثقيفيَّة مختصُّون في القانون ومتمكِّنون في التعريف به، من شأنه أن يصنعَ من قانون المحاماة والاستشارات القانونيَّة محطَّة تحوُّل قادمة لتعظيم ثقافة القانون وتيسيرها في المُجتمع، بحيث يأخذ في الاعتبار دَوْرَ جمعيَّة المحامين والاستشارات القانونيَّة، وتفعيل دَوْر مكاتب المحاماة والاستشارات القانونيَّة في تعزيز الثقافة القانونيَّة وتنميتها في المُجتمع وعَبْرَ تنشيط البرامج التدريبيَّة والإعلاميَّة والتثقيفيَّة المتخصِّصة، وفق مسار واضح وأجندة عمل محدَّدة تراعي عمليَّات تنفيذ البرنامج متغيِّرات الفئة العمريَّة، ونوعيَّة الجرائم، وأبرز السلوكيَّات والأفعال المرتبطة بها، والتوسُّع في المنصَّات التفاعليَّة الإلكترونيَّة المتخصِّصة في نشْرِ الثقافة القانونيَّة وضمان تسجيل هذه المنصَّات واعتمادها من قِبل جهات الاختصاص وتوفير الأشخاص القانونيِّين لإدارة هذه الحسابات والتفاعل أو الإجابة عن التساؤلات حَوْلَ القضايا التي تطرحها هذه الحسابات لضمان إشباع البُعد القانوني وتنشيطه في حياة المواطن، وفق جهد منظَّم وعمل مقنَّن ونمط تفاعلي تشاركي في البحث عن التجديدات والتحوُّلات الحاصلة في القانون، مع تبنِّي آليَّات أكثر ابتكاريَّة في التعامل مع الجريدة الرسميَّة ووصولها للمواطن وتوظيف التقنيَّة في تزويده بالقوانين والتشريعات الحاصلة فيها، وتصحيح الصورة الذهنيَّة للقانون وتقريبها من الفرد، بأساليب مَرِنة، وعَبْرَ نماذج محاكاة مصغَّرة واضحة مقنَّنة، تُزيل حاجز الخوف ورهاب القانون، وتضع المخاطَب أمام صورة مكبَّرة حَوْلَ طبيعة السلوك الذي يتوافق مع روح القانون ويتفاعل معه نبض الشَّباب، لبناء جيل واعٍ بالقانون، مدركٍ لأهمِّيته، عارفٍ بضروراته، واقفٍ عِنْد حدوده، ملتزمٍ بقواعده، مطيعٍ لها، يقرأ في القانون مساحة أمان، وفِقه حياة ومدخلًا للبناء والتقدُّم.

د.رجب بن علي العويسي
[email protected]



تاريخ النشر: 2023-08-08 16:36:25

الناشر/الكاتب: Alwaan Editor

جريدة الوطن – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية