موريتانيا : من سُنَّة الإطلاق إلى بدعة الاستئصال..

من سُنَّة الإطلاق إلى بدعة الاستئصال..

اثنين, 04/22/2019 – 23:16

كان أكبر تحد واجه الإسلام في بداية دعوته، نظامَ جاهلية قريش، القمعي الوحشي، الاقطاعي، التراتبي، وواجه هذا النظامُ دعوة الإسلام بكل سوء، واستخدم في ذلك كل أنواع الشر التي وصلها البشر في ذلك الوقت..وحين فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة ـ وقد أخرج منها قبل ذلك ـ قرر العفو عن عامة قريش، بمن فيهم رموز النظام المكي الجاهلي العتيد، باستثناء أشخاص قليلين، تم العفو عن عدد منهم لاحقا، وعرف رموز النظام المكي فيما بعد في الإسلام بالطلقاء..سنة الإطلاق هذه لم تعمر طويلا، فقد أماتتها سريعا نزعة جاهلية ثأرية، انتقامية، تقوم على استئصال الخصم، بدأت بقتل الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه من طرف الثوار الخارجين عليه، ونهب منزله..قاد عصبة عثمان ـ بنوا أمية ـ حملة استئصال شعواء، تحت ظل قميصه، ضد الخارجين عليه، وغيرهم، أوصلتهم للسلطة..ثم جاء بنوا العباس فاستأصلوا بني أمية بالقتل على أساس القرابة حتى أفنوهم تقريبا، وترسخت بدعة الاستئصال أساسا من أساسيات التناوب على السلطة في الثقافة الإسلامية، فكلما عُزِل حاكم قتل وصودر، أو صودر وسجن إلى الموت، وَصُوِّر على أنه كان شرا مطلقا، ويشمل الاستئصال جميع فريقه، وأنصاره..ومن شواهد ذلك ـ ويتفطر له القلب ـ ما فعله أمير المسلمين المرابطين، يوسف بن تاشفين مع الأمير الفارس الشاعر المعتمد بن عباد، وعبر عنه الإمام الذهبي بِـ “إساءة العشرة”، قال في ترجمة بن تاشفين: <<..فعبر ابن تاشفين ينجد الإسلام، فطحن العدو، ثم أعجبته الأندلس، فاستولى عليها، وأخذ ابن عباد وسجنه، وأساء العشرة..>>، وكم نشاهد اليوم من: إساءة العشرة..مُورست بدعة الإستئصال في الحاضر بشكل مفرط، وفِي قاموسها وُلدت مصطلحات ناعمة، من قبيل العزل والاجتثاث، وغيرها..الغريب أن هذا الاستئصال تمارسه في الحاضر قوى تدعي السعي نحو بناء الديمقراطية، وإرساء نظام دولة المواطنة المدنية، وتأتي ثائرة على عهود المنع والحظر والإقصاء..وخارج المنطقة تزهو تجارب جللتها المصالحات والتسامح والعفو، ولعل منطق الثأر والانتقام، والاستئصال من أسباب الفشل الدائم في الأمة..
من صفحة القاضي أحمد ولد المصطفى

تاريخ النشر: 2019-04-23 02:16:21

الناشر/الكاتب: mokhtar

تفاصيل الخبر من المصدر : أخبار الساحل