المغرب: سليمان الريسوني يكتب: أوسمة للتافهين

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

كثيرون يتساءلون، جهرا وإضمارا، وهم يرون تورط بعض الموشحين بأوسمة ملكية في قضية «حمزة مون بيبي»، وقبلها في قضايا أخلاقية وجنائية، وحتى في سجالات تعكس مستوى أصحابها الواطئ: «من يضع هؤلاء التافهين والمشبوهين على اللوائح المقدمة إلى الملك؟». في حوار صحافي سابق أجريته مع أحد أعضاء لجنة إعداد النموذج التنموي، وجدته يقول: «إذا لم تكن الدولة راغبة في دمقرطة الحياة السياسية والاقتصادية الآن، فلتتجنب، على الأقل، تعيين الفاسدين في مواقع المسؤولية». وقياسا عليه أقول: «إذا كانت أذواق ومعارف المسؤولين واطئة، فلا تكن متواطئة على الذوق السليم، وإلا فإن من يزرع دنيا باطما، يحصد ولد الكرية».
سنتين بعد مجيئه إلى الحكم، أعطى الملك محمد السادس جريدة «لوفيغارو» الفرنسية حوارا قال فيه: «أحب كثيراً موسيقى جيلي كالراي والروك، وأعترف بأن لي ذوقا تجاريا جدا، كما أنني معجب بالتيارات الموسيقية المعاصرة». إن هذا البوح العفوي الذي لا يلزم سوى صاحبه، الملك الإنسان، مهما كانت لنا من أحكام قيمة عنه، هو تحول جذري عما كان يقوم به الحسن الثاني، الذي فرض ذوقه الموسيقي على المغاربة، مثلما كان يفرض توجيهاته على الملحنين والشعراء والفرق الموسيقية، بما فيها تلك التي تعطي انطباعا بأنها متمردة على المألوف، مثل ناس الغيوان، حيث كان يتدخل في اختيار النصوص والألحان، ويسجل ملاحظات على العازفين، ويوبخ من يرى أنه يسيء إلى التراث الموسيقي، مثلما فعل مع لحسن زينون. لقد كان تصريح الملك محمد السادس لـ«لوفيغارو» تمردا على المألوف، وتعبيرا عن ذوق شخصي قد لا يعجب الكثيرين، لكنه لا يلزمهم، خصوصا أيتام الحسن الثاني الذين تربوا على أن يعبروا، في العلن، عن إعجابهم وتعظيمهم نوعا من الموسيقى والشعر، حتى وإن كانت أذواقهم لا تتفق معه.
وحتى عندما جرى تخصيص مهرجانات للموسيقى، التي سماها الملك في حوار «لوفيغارو» بـ«les courants contemporains»، مثل «البولفار» و«موازين»، فقد جرى اعتبار ذلك نوعا من التوازن مع التوجهات المحافظة التي كانت تخترق الشباب المغربي بقوة. وعندما منح الملك الجنسية المغربية لاثنين من نجوم الراي من أصول جزائرية (خالد- فوضيل) فُهم ذلك في إطار سياسي. لكن، في كل هذا وذاك، لم يثبت أن الملك محمد السادس تدخل في عمل فني، وفرض توجيهاته على ملحن أو فرقة موسيقية، مثلما كان يحدث مع والده الذي كان الموسيقيون والشعراء يقضون العام كله في التنافس في مدحه المبالغ فيه، بقصائد وأغانٍ لم يتردد محمد السادس في رفضها، حيث نقل عنه الراحل الفقيه بينبين، قوله: «في أحد الأيام، أكثروا عليه من المدح، فقال لهم: ماذا تركتم لرسول لله؟! امدحوا رسول لله، الذي هو أَولى بالمدح! ونهاهم عن مدحه».
لكن، ما لم يقبله المغاربة، وأعتقد أن الملك نفسه لا يقبله، هو أن تقدم إليه لوائح لتوسيم فنانين تافهين، وبعضهم تورط في أعمال جنائية، لمجرد أنهم حققوا نسبة متابعة مرتفعة أو استدعوا للغناء في مهرجانات بعينها، أو التحفوا العلم الوطني فوق منصة، أو هتفوا: «هذا هو عيدنا.. لله ينصر سيدنا»… أو أن يُطلب من المحامي الخاص للملك، إيريك دوبون موريتي، الدفاع عن فنان متهم في قضايا اعتداء على النساء… في الوقت الذي يُتجاهل فيه فنانون ومثقفون شرفوا المغرب، عالميا، فقط لأنهم يقعون خارج جوقة الطبالين، أو لأنهم أعربوا عن انتقادهم للسياسات المتبعة. وهو ما يُسيِّد انطباعا بأن غير الحاصلين على الأوسمة الملكية، لا يُنظر إليهم بعين الرضا من لدن الملك، بالرغم من أن مواقف وانتقادات كثير من هؤلاء الفنانين والمثقفين تكون موجهة، بالدرجة الأولى، إلى الحكومة والنظام السياسي، وليس إلى المؤسسة الملكية.
تعالوا نلقي نظرة على ظهير 5 يونيو 2000، المتعلق بالأوسمة، لنعرف أي صنف من الأصناف العشرة المخصصة للأوسمة الوطنية، يمكن هؤلاء التافهين والمشبوهين أن يتسربوا من خلاله؛ الصنف الثالث الذي يتعلق بـ«وسام الولاء، المعد لمكافأة الأشخاص الذين برهنوا على ولائهم وإخلاصهم لجنابنا الشريف»، والصنف السابع الخاص بـ«وسام الكفاءة الفكرية، الممنوح لتشريف رجال العلم، وكذا الأشخاص الذين برعوا في باب من أبواب الثقافة والفن والحضارة، وكذا في مختلف المجالات المعرفية». وشخصيا، لا أعتقد أن كثيرا ممن يقع توسيمهم يدخلون في الخانتين (محبو الملك أو الكفاءات الفكرية)، وإلا اعتبرنا «البلطجية» الذين يُسخرون لنسف الوقفات الاحتجاجية، وهم يحملون صور الملك ويلتحفون العلم ويرددون النشيد الوطني «مشقلب»، من محبي الملك، أو اعتبرنا كثيرا من الأميين في مجالات الفن كفاءات فكرية.



تاريخ النشر: 2019-12-21 20:00:50

الناشر/الكاتب: سليمان الريسوني

اليوم 24 – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية