«سكّري الأطفال».. مرض مزمن أم إعاقة؟

نظام الارشفة الالكترونية

مي السكري|

جدل قانوني وطبي واسع في الكويت، أثاره صدور حكم المحكمة الإدارية، يلزم بمقتضاه هيئة شؤون الإعاقة بإعادة إدراج الأطفال المصابين بمرض السكري من النوع الأول تحت مظلة قانون الأشخاص ذوي الإعاقة، واعتبارهم معاقين.
ولم يقتصر الجدل على هؤلاء، بل أثار نقاشاً متبايناً بين عدد من المتخصصين والمهتمين بشؤون ذوي الإعاقة، كما تفاعل معه ناشطون على «تويتر».
استشهد مؤيدو الحكم بتوصيات الجمعية الأميركية لمرضى السكري، التي تعدّ «مضاعفات السكري» واحدة من مسببات الإعاقة، مستدركين أن المرض يعيق الطفل في الكثير من ممارساته اليومية، كالأكل والشرب، مقارنة مع نظرائه الأسوياء، بينما برر معارضون رفضهم للحكم بأن التصنيف ينعكس سلباً على الحالة النفسية للمريض، ويؤثر في بناء شخصيته، ويفتح الباب أمام إدراج العديد من مرضى السكري تحت مظلة قانون الإعاقة، مما يكبد الخزينة العامة أموالاً طائلة. القبس تستمزج الآراء بشأن هذه القضية في الأسطر التالية:

يرى مراقبون أن هيئة شؤون الأشخاص ذوي الإعاقة لطالما كانت وما تزال، هي والأطباء العاملون فيها، تناقض نفسها حين تتباهى في كل محفل وميدان بأنها تطبق المعايير العالمية الخاصة بمرضى «السكري»، التي أقرت إدراجهم ضمن شريحة ذوي الإعاقة، بينما ترفض الهيئة إدراج حالة الأطفال المصابين بالسكري من الفئة «أ»، التي كفلت حقهم تلك المعايير!
وبالعودة إلى الوراء قليلاً، كانت وزيرة الشؤون هند الصبيح كشفت، في مناقشتها الاستجواب في يناير الماضي، أن هناك من يزاحم ذوي الإعاقة بحجة مرض السكر والضغط وارتجاع المريء، وأن نحو 2500 حالة تكرر دخولها على اللجان للحصول على المميزات المالية وغيرها من الخدمات المقدمة لذوي الإعاقة.
ولكن مراقبين رأوا أن ما ذكرته الصبيح يخالف ما قررته اللجنة الفنية المختصة في هيئة الإعاقة سابقاً، حيث أكدت أن مرضى السكري من الدرجة «أ» هم فقط من يدخلون تحت مظلة قانون الإعاقة من دون الشرائح الأخرى، وهو قرار صدر بأغلبية أعضائها الأطباء ذوي الباع الطويل والخبرة المتراكمة.

تضييق واستهداف
وجد المراقبون أن الهيئة تتعمد التضييق وتستهدف إلغاء شهادات الإعاقة التي صدرت سابقاً، رغم علمها علم اليقين بأنه في حال توجه من ألغيت شهادة إعاقته أو خفضت شدة إعاقته، فسيحصل على حكم يعيد له الشهادة وحقه، إضافة إلى تعويض أدبي ونفسي وجسدي، وهو ما يثقل ميزانية الهيئة، ويكبدها خسائر مالية جراء التعويضات.
وأفاد المراقبون بأن الاتحاد الفدرالي الدولي يقدر عدد البالغين المصابين في الكويت بالسكري بـ400 ألف شخص عام 2015، وتحتل الكويت المركز الثالث في نسبة الإصابة من النوع الأول بين الأطفال واليافعين أقل من 15 عاماً.
ويبلغ عدد الحالات الجديدة 37.1 لكل 100 ألف (نحو 100 طفل كويتي)، في حين يقدر الاتحاد عدد الحالات غير المشخصة في الكويت بـ140 ألف حالة، مما حدا بالمراقبين إلى التساؤل: من نصدق.. الأطباء في اللجان السابقة أم الحاليين؟
كما طالب المراقبون بتحرك جاد من قبل مجلس الوزراء ومجلس الأمة ممثلاً باللجنة البرلمانية لذوي الإعاقة، لإيقاف هذا الظلم الذي وقع على مواطنين كويتيين لا حول لهم ولا قوة للتحقق من الأمر؟
وللوقوف على حقيقة الأمر، سألت القبس مديرة الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة د. شفيقة العوضي، فجددت تأكيدها على وجود «فرق بين المرض والإعاقة، وهناك خيط رفيع يفصل بينهما»، وشددت على أنه «لا يمكن اعتبار مريض السكري والضغط معاقاً، فهناك معايير دولية تثبت الإعاقة التي تمنع الشخص من القيام بالأعمال التي يؤديها الشخص الطبيعي غير المعاق».

مرض مزمن
وجاء الرأي الطبي معارضاً للرأي القانوني، حيث أكدت مصادر طبية أن السكري من النوع الأول عند الأطفال «يعتبر حالة مرضية مزمنة، وليست إعاقة»، لما لها من تأثيرات سلبية على حياة الطفل، لافتة إلى «تفضيل المنظمات العالمية أن يعيش الطفل حياة طبيعية بسلام مع الحالة المرضية، من دون أن تكون له وصمة اجتماعية مرتبطة بالإعاقة والقصور والعجز وتؤثر سلباً عليه».
وقالت المصادر ان اعتبار اطفال السكري النوع (أ) من ذوي الإعاقة سيفتح الباب أمام العديد للدخول تحت مظلة قانون الإعاقة، وهو ما يؤثر على ميزانية الدولة، فاحصائيات وزارة الصحة تشير إلى نحو 39 حالة جديدة مصابة بالسكري النوع الأول بين الأطفال سنويا لكل 100 ألف طفل في الكويت وهي ليست قليلة.
وذكرت أن مريض السكري من (أ) يحتاج مساعدة مادية شهرية وليس بطاقة إعاقة فأغلب أطفال السكري في الكويت والعالم لا يعانون من مضاعفات المرض المسببة للإعاقة.

اعتراض مبرر
من بين معارضي الحكم القضائي، د.ثامر العيسى وهو اختصاصي أول أمراض الغدد الصماء والسكر، ويرى أن الحكم «لا يتسق مع العلم الطبي ولا الهدف من العلاجات الحديثة».
وأوضح العيسى في تغريدة له على «تويتر» أن مرضى السكر النوع الأول هم أفراد يتمتعون بصحة طبيعية وأعضاء فاعلون في مجتمعهم الدراسي والاجتماعي ومنهم رياضيون ومغامرون وأصحاب إنجازات متعددة، مضيفا «كأطباء، ندعم أنشطتهم، وحكم الإعاقة هذا يقلل من فاعليتهم».
بدوره، أوضح نائب رئيس اللجان الطبية والفنية في هيئة ذوي الإعاقة سابقاً واستشاري جراحة المخ والأعصاب د. علي الكندري أن الحكم لا يتسق مع العلم الطبي للمرضى كبار السن وليس الأطفال، فالطفل الذي يعاني من مرض السكر النوع الأول بحاجة إلى حقنة الأنسولين أكثر من مرة وعلى ذويه زيارته داخل المدرسة لإعطائه اياها، لذلك قررت اللجنة الفنية العليا للإعاقة بادراجه تحت مفهوم الإعاقة الجسدية المتوسطة.
واضاف الكندري «أما بالنسبة لكبار السن، فمرض السكري بأنواعه لا يندرج تحت مفهوم الإعاقة، إلا إذا بدأت أعراض مضاعفاته بالتأثير على وظائف البصر أو الكلى أو القلب أو الأعصاب الطرفية».
وذكر أن الإعاقة «حالة تحد من قدرة الفرد على القيام بوظيفة واحدة أو أكثر من الوظائف التي تعتبر أساسية في الحياة اليومية كالعناية بالذات أو ممارسة العلاقة الاجتماعية والنشاطات الاقتصادية، ضمن الحدود التي تعتبر طبيعية، أو هي عدم تمكن المرء من الحصول على الاكتفاء الذاتي وجعله حاجة مستمرة إلى معونة الآخرين وإلى تربية خاصة تساعده على التغلب على إعاقته».

إقرار.. وإلغاء
وفق ما أقرته اللجنة الفنية المختصة في المجال الطبي في الهيئة العامة لشؤون ذوي الإعاقة، التي صدر قرار تشكيلها عام 2011، فإن مرضى السكري المعاقين هم ممن يعانون من النوع الأول من المرض ممن تقل أعمارهم عن 18 عامًا ولا تزيد على 24، وأن الأطفال المصابين به يعتبرون من «ذوي الإعاقة».
واستمر تطبيق القرار حتى سبتمبر 2016، وتم إيقاف اصدار شهادات الإعاقة لهم وإلغاء أخرى صادرة قبل هذا التاريخ، والآن أعادهم القضاء الكويتي حالهم حال البقية من ذوي الإعاقة ممن خفضت درجة إعاقتهم أو ألغيت شهادة إثباتها.
مدّعو الإعاقة

قال المحامي د.خالد الياقوت إن إدخال مرضى السكر سيؤدي الى زيادة ومزاحمة المعاقين ذهنيًا وجسديًا وغيرهم، لافتًا إلى أن الحل يكمن في تغيير القانون إذا رأى المشرع أن الوضع فيه مشكلة بشأن زيادة عدد ذوي الإعاقة.
وعما إذا كان الحكم الأخير سيفتح الباب أمام مدعي الإعاقة، قال الياقوت إنه ليست له علاقة، فبإمكانهم الدخول من أي باب، مضيفًا «القانون استوجب إحالتهم إلى النيابة لتقديمهم وعقابهم، علمًا بأن عقوبة مدعي الإعاقة تصل إلى الحبس 10 سنوات».

محامون لـ «القبس»: القانون يعتبر السكري إعاقة.. فلِمَ التعنّت؟!

ناصر العجمي

اتفق قانونيون وناشطون في مجال الإعاقة على أحقية ادراج الاطفال المصابين بالسكري من النوع الأول تحت مظلة قانون الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 8 لعام 2010.
واستند هؤلاء إلى نص المادة الأولى من القانون، بشأن تعريف الشخص ذي الإعاقة على أنه «كل من يعاني اعتلالات دائمة كلية أو جزئية تؤدي إلى قصور في قدراته البدنية أو العقلية أو الحسية، قد تمنعه من تأمين مستلزمات حياته للعمل أو المشاركة بصورة كاملة وفعّالة في المجتمع على قدم المساواة مع الآخرين».
وقال المحامي ناصر العجمي، الذي كسب حكم المحكمة الادارية الأخير القاضي بإلزام هيئة الاعاقة بإصدار شهادة اعاقة لابنة موكله المصابة بالسكري من النوع الأول، إن الأخيرة تم تصنيفها «إعاقة متوسطة دائمة»، بناء على تصريح نائب رئيس اللجان الطبية والفنية في الهيئة سابقاً د. علي الكندري، وقرارات اللجنة الفنية العليا التي كان يرأسها د. خالد السهلاوي، لافتا إلى حالات عدة اعطيت شهادة اعاقة جسدية متوسطة ودائمة بناء على توقيع الكندري.
وأضاف العجمي أن «موكلي تقدم لعمل لجنة في هيئة الاعاقة لاثبات أن ابنته تندرج تحت مفهوم الإعاقة، إلا أن الهيئة رفضت طلبه.. وبعد تقديم المذكرات القانونية واطلاع المحكمة عليها، حكمت المحكمة للمدعي بصفته ولياً طبيعياً على ابنته القاصر باصدار شهادة اعاقة مع حقها في الاحتفاظ بالأثر الرجعي من ميزات مالية منذ تاريخ اصابتها بالمرض».

تعنت الهيئة
من جانبه، أكد أستاذ القانون الدولي الجنائي وحقوق الإنسان «المنتدب» بكلية الحقوق في جامعة الكويت المحامي د. خالد الياقوت أن مريض السكري «يعد معاقاً وفقاً لما نصت عليه المادة الأولى بند 1 من قانون الأشخاص ذوي الإعاقة رقم 8/2010».
وبيّن الياقوت أن مرض السكري «اعتلال دائم، ويحدث قصورا في قدرات المصاب به، البدنية والحسية، إذ يعاني المصاب به من النوع الأول من ارتفاع ضغط الدم وضعف النظر، ويتعرض إلى حالات غيبوبة، ولا يستطيع المشاركة بفعالية في المجتمع».
وقال إن سلوك الهيئة «يتسم بعدم المشروعية بشأن عدم منح مرضى السكري شهادات إعاقة، رغم انطباق تعريف الشخص المعاق الوارد بالقانون عليهم، على اعتبار أن القرارات الصادرة منها برفض منحهم شهادات إعاقة تعد مخالفة للقانون، والأخير يعد أداة تشريعية أعلى من القرارات، ومن غير الجائز مخالفة القرارات باعتبارها الأداة الأدنى للقانون، باعتباره الأداة التشريعية الأعلى، وإلا عد ذلك متسماً بعدم المشروعية وللدستور أيضا».

معايير عالمية
بدوره، قال المحامي طلال العازمي ان الاعاقات الرئيسية أربع إعاقات، هي الحركية والذهنية والبصرية والحسية (الصم والبكم)، وهناك معايير عالمية بحسب اتفاقية الأمم المتحدة لذوي الإعاقة التي وقّعت الكويت عليها.
ولفت العازمي إلى معايير عالمية تدخل مع الإعاقات الرئيسية الأربع أمراضاً عدة، مثل السكري من النوع الأول وألزهايمر، وغيرهما من الأمراض المزمنة التي تعيق نشاط الشخص في الحياة اليومية.
وقال: ولكن في الكويت، وبعدما كانت تلك المعايير معتمدة في السابق، تم تشكيل لجان أخرجت تلك الأمراض المزمنة من قانون المعاقين، بهدف تقليل الأعداد فقط، من دون مراعاة للمرضى وما يعانونه، ملمحاً إلى رفع الكثير من القضايا ضد هيئة الإعاقة وإنصاف أصحابها من القضاء وإدراجهم ضمن قانون المعاقين وإلزام الهيئة بالتنفيذ.
وتساءل العازمي: بما أن هناك معايير عالمية محددة، فعلى ماذا تستند لجان الهيئة؟ فمن الواضح انه لا توجد للهيئة معايير، وهناك أمراض أنصف الطب الشرعي أصحابها وأدخلهم تحت مظلة قانون المعاقين من منظور طبي بحت.

366 مليون مريض بحلول 2030

قدرت دراسات وصول معدل انتشار السكري في جميع أنحاء العالم ولجميع الفئات العمرية بحلول 2030 إلى %4.4، ما يعني أن العدد الإجمالي لمن يعانون مرض السكري سيزيد من 171 مليون نسمة في 2000 إلى 366 مليون نسمة في 2030.

 

المصدر من القبس

نظام الارشفة الالكترونية