لبنان: وجوه الثورة في طرابلس: الشارع للشجعان

نظام الارشفة الالكترونية

فندق

تحت عنوان: “وجوه الثورة في طرابلس: الشارع للشجعان”، كتبت ساندي الحايك في “نداء الوطن”: كيف يُمكن أن تُضبط الجماهير في ساحة حبلى بالغضب؟ كيف يُمكن أن تأسر قلوب 45 ألف شخص تجمهروا ثائرين متسلحين بالعنفوان الحاد؟ تتكاثر الأسئلة كُلما أعدت مشاهدة فيديو “ثورة طرابلس”، يوم أشعل الـ”دي جي” مادي كريمة، ليل المدينة بموسيقاه وهتافاته. صرخ الشاب العشريني بالحاضرين: “هل أنتم جاهزون؟”، فأتاه الردّ من الحشود إيجاباً. مرّر مادي أصابعه على جهاز الموسيقى أمامه. بثّ أغنية “يا سيف للي عَ الأعداء طايل” بأنغام معدّلة. لوّح بيده وقفز في الهواء على منصته المُشرفة على ساحة التظاهرات. تلقف المتظاهرون التحية وردّوا بمثلها. قفزت أجسادهم عالياً ولوّحت قبضاتهم بالأعلام والهواتف المضاءة. طغى الحماس على المشهد. المتظاهرون كموج البحر، تعلو أجسادهم وتنخفض لتلامس الأرض بنبض واحد. كأنهم جسد مدينةٍ يُعاد وصل أجزائه المبتورة.في اليوم التالي أعاد مادي الكَرّة. ألهب ليل طرابلس ثائراً على حرمانها، منتقماً من سنوات زُجت فيها “عاصمة الشمال” في حروب عبثية، فاستوطن الرصاص شوارعها عوضَ الحب والفرح. مهدي كريمة، المُلقب بـ”مادي”، هو إبن طرابلس. عرف شوارعها وأحياءها ورصد همومها ومشاكلها كجميع أبناء جيله. تخصص في Computer Science، لكن حبه للموسيقى دفعه نحو احتراف هواية الـ “دي جي”. هو “يلعب” الموسيقى منذ العام 2010. نظّم وآخرون قبل أشهر “Run Colors Festival” في معرض رشيد كرامي، حيث رقص الجمهور على أنغام موسيقاه لساعات. لكن ما قام به في أيام الثورة كان مختلفاً، يقول: “إنتابني شعور غريب. عندما استدار المتظاهرون نحوي شعرت بقشعريرة تسير في كل أطرافي. أنا جزء من الثورة، فأنا إبن هذه المدينة وأعرف أوجاعها وكل ما هتف به المتظاهرون هو ما يُنادي به كل شريف في هذه الجمهورية”.

يردّ مادي على منتقدي اعتلائه المنصة واتهامه بتحويل التظاهرة إلى كرنفال: “ما جرى لم يكن منظماً أبداً بل حدث بالصدفة، ونظراً لتضافر جهود الجميع إستطعنا تحضير المعدات وتجهيز المنصة في الوقت المناسب”، مشيراً إلى أن “الثورة حياة ولا حياة من دون موسيقى”. ثم أردف: “ما يهمني الآن هو أن تُحقق الثورة أهدافها، فما حققناه نحن كان كفيلاً بكسر الصورة النمطية المأخوذة عن المدينة، وبالتأكيد على أن سُبل التظاهر ليست فقط حرق الإطارات وقطع الطرق. يبقى الهدف الأسمى المُتمثل بإسقاط النظام والفاسدين”.الهتّاف الأبرز من “ساحة الحرية”شكّلت ساحة عبد الحميد كرامي أو ساحة النور كما هو متداول منصة لتظاهرات واعتصامات كثيرة سابقاً، لكنها في مشهدية ثورة 2019 تجددت وخلعت عنها رداءة الماضي وملله. احتضنت الطرابلسيين وأبناء الجوار من مختلف انتماءاتهم. مدّت ذراعيها على وسعيهما فاتسعت لأعدادهم الهائلة. سمعت الساحة هتافات لم تسمعها منذ عقود. غاب شعار “بالروح وبالدم نفديك يا…” وحلّ مكانه “ثوار أحرار رح نكمّل المشوار”. لم تُنشد الجماهير لنائب أو وزير أو تيار، بل هتفت للوطن. صدحت الحناجر وسط الساحة الأكثر رمزية في المدينة للثورة ضد الزعران.ردّد المتظاهرون مع صوت محمد اسماعيل شعارات الحراك. إعتلى الإعلامي الطرابلسي المنصة وهتف بصوت واثق جبّار “هيدي مش ساحة النور هيدي ساحة الحرية”. أضاف محمد لقباً جديداً للساحة وسط المدينة، كما أشعل حماسة الحاضرين بخطابه على مدى يومين.ولد محمد في منطقة باب التبانة وسكن في محلّة أبي سمراء. تخصص في مجال الإعلام والتواصل الجماهيري فلم تكن قيادة تظاهرة غريبة عنه، إلا أن تجربة الثورة لا مثيل لها وفق ما يقول، مردفاً: “إقترح عليّ المنظمون في الساحة أن أعتلي المنصة لبعض الوقت، لكنني ترددت في البداية. بعدما اشتد إصرارهم تقدمت وحملت المايكروفون في يدي. نظرت نحو الحشود فشعرت بهيبة وفخر في آن. هذا المشهد الذي نشتهيه منذ زمن وقد آن أوانه”. ويضيف: “لم أتردد في الهتاف، فقد شعرت بأنه حان الوقت لإظهار الصورة الحقيقية عن المدينة، التي تضم من الكفاءات وأصحاب الاختصاص والجامعيين والمثقفين ما لا يقل عن سواها من المُدن الأخرى”. كرّر محمد في هتافاته: “نحن لسنا دعاة فوضى… ولن يُخيفنا الزعران”، أصرّ على نفي هذه التُهم عن مدينة وصفت يوماً بـ”قندهار لبنان”. إستعاد لحظة وقوفه على المنصة الأمل بغدٍ أفضل، قائلاً: “لطالما حلمت بهذا المشهد، أن أرى الناس في الساحات بهذا التنوع. ما حصل أكد لي أن الثورة هذه المرة لا تُشبه سابقاتها”.جهاز الطوارئ والإغاثة: طرابلس بالقلبالتعاضد بين الطرابلسيين ليس شعاراً بل واقعاً تُرجم بإنشاء جهاز الطوارئ والإغاثة لمستشفى ميداني وسط ساحة النور في اليوم الثالث للثورة، يضم 6 أطباء و5 ممرضين و9 مسعفين ممرضين و80 مسعفاً و7 سيارات إسعاف وغرفة عمليات ميدانية. منذ العام 2006 تطوع هؤلاء لخدمة أبناء المدينة والسهر على سلامتهم. مثل خلية النحل يتحرك المتطوعون. يفصلون تماماً بين مهامهم الإنسانية وحسهم الوطني. يقمعون أجسادهم إن أذعنت التمايل على موسيقى الثورة. يحرفون أعينهم عن المنصة لئلا تؤخذ بتسجيل لحظات التفاعل الثورية، ويجولون بها بين الحشود لتدارك أي حادثة والبقاء على أهبة الاستعداد لتلبية النداء. هؤلاء جنود الثورة المجهولون. هؤلاء الذين يمدون الجماهير بالطاقة وقوة الدفع للاستمرار في النضال. هم من منح ثورة طرابلس معنى مختلفاً. فبحسب إحصاءات المركز تمّ إسعاف 580 حالة، تنوعت بين الإغماء والاختناق وضيق التنفس وسواها. نُقل منهم حوالى 65 حالة إلى مستشفيات المنطقة. عند سؤاله عن تجربتهم في الثورة، ردّ مسؤول العلاقات العامة والإعلام في الجهاز المحامي عمر خضّور أن “واجبنا الإنساني يُحتّم علينا البقاء على الحياد والتواجد في كل شبر على هذه المدينة لخدمة أبنائها”.طرابلس، من ساحة الحرية تُبادل أبناءها فخراً عظيماً في أيامها المجيدة هذه… فهل ستُقفل الثورة الباب على أوجاعها؟



تاريخ النشر: 2019-10-29 08:33:11

الناشر/الكاتب:

لبنان ٢٤ – تفاصيل الخبر من المصدر

نظام الارشفة الالكترونية